كتب : أحمد سعيد | السبت، 21 نوفمبر 2009 - 03:15
بالصوت والصورة: عائد من جحيم الجزائريين في السودان
تبخر حلم الوصول إلى كأس العالم كان أول الأحزان وليس أكبرها، مواجهة أحجار الرصيف الملقاة في اتجاهنا، والأسلحة البيضاء المتطايرة تستهدف الرؤوس والأجسام في ظلام دامس كان أكثرها إثارة للفزع، الاختباء وانتظار النجدة السودانية أو المصرية كان وقتا قاسيا نفسيا وذهنيا على الجميع، وهو ما ستشاهدونه في تسجيلات FilGoal.com من موقع الحدث.
النهاية المرعبة ليوم المباراة لم تكن في الحسبان منذ فجر الأربعاء حينما توجه آلاف المصريين إلى مطار القاهرة كي يستقلوا رحلاتهم سواء تلك التي تنظمها شركات خاصة أو الحزب الوطني.
الجميع تعلو وجهه ابتسامة ثقة بل وبدأ التشجيع والهتافات منذ دخول صالة المغادرة، مرورا بالصعود إلى الطائرة وحتى الوصول إلى مطار الخرطوم حيث خرجنا من صالة كبار الزوار.
الرحلة 701 التي كان FilGoal.com على متنها ضمت الفنان محمد فؤاد والمطرب هيثم شاكر إضافة إلى بعض رجال الاعمال وشباب آخرين حجزوا أماكنهم سواء أفرادا أومجموعات .. السعادة تزداد بين الجماهير التي تتفاءل كثيرا بفؤاد، ظلوا يلتقون الصور التذكارية معه ومع شاكر في فترات طويلة من الرحلة.
ثلاثة أمور لا يمكن أن تخطئها العين عند الهبوط في العاصمة السودانية: الأول هو التواجد الأمني المكثف ليس فقط من قبل عناصر الشرطة ولكن من قوات الجيش أيضا، والثاني هو وجود طائرات من سلاح الجو الجزائري رابضة في المهبط، والثالث هو الحفاوة الكبيرة التي يلاقيك بها المواطن السوداني العادي.
صور: اضغط هنا للقطات المشجعين المصريين منذ التجمع في مطار القاهرة وحتى دخول استاد المريخ
فيديو: اضغط هنا لمقاطع فيديو للمشجعين المصريين وهم يهتفون للفراعنة في مطار الخرطوم
"مفيش مشاكل"
وعلى الرغم من التواجد الأمني المكثف فإن التعليمات كانت واضحة: لا تلوحوا بأعلامكم من نافذات الأوتوبيس، وأبقوا الستائر مغلقة حتى الوصول إلى الاستاد.
توقف أتوبيس المشجعين لتناول وجبة الغداء قبل التوجه إلى الاستاد، وهي الدقائق التي استغللتها في محاولة للتعرف على أسباب إخفاء المصريين دون غيرهم عن الأعين داخل أتوبيساتهم التي تحيط بها سيارتان من الشرطة طوال الطريق.
- صباح الخير، هو فيه مشاكل من الجزائريين؟
- مفيش مشاكل ان شاء الله
- ولكن التعليمات اننا ننزل الستاير ومنطلعش الأعلام خالص؟
- مفيش مشاكل ان شاء الله
- يعني نطمن ولا إيه؟
- مفيش مشاكل ان شاء الله!
ولكن تطمينات رجل الأمن السوداني لم يكن لها أي وجود بعد دقائق من استئناف رحلة الأتوبيس إلى الاستاد، خاصة مع عدم الالتزام بالتعليمات والتلويح بالأعلام المصرية تجاوبا مع تشجيع السودانيين.
فعلى الرغم تحديد مسارات مسبقة لجماهير مصر وحدها بخلاف طرق جماهير الجزائر، إلا أننا فوجئنا بآلاف الجزائريين يقطعون الطريق، ويبدأون في رشق الأتوبيس بالحجارة.
ماذا أتى بهم إلى هذا الطريق؟ ولماذا لم يتجهوا إلى الطرق المخصصة لهم لدخول الاستاد؟ وهل كانوا يعلمون بأمر مرورنا من هنا واستعدوا لبدأ الاعتداء علينا قبل المباراة؟ لم نكن نعلم في هذا التوقيت أن هؤلاء ليسوا من ضمن أعداد الجزائريين الذين ينوون دخول المباراة .. وهو ما علمناه لاحقا في هذه الليلة المفزعة!
وصلنا إلى استاد المريخ، وهبطنا نعاين التلفيات التي حدثت في الأتوبيس، ونحاول فهم كيفية تعرضنا لهذا الاعتداء في وجود كل هذه القوات السودانية التي تتواجد بكثافة حول الاستاد وجميعهم يحملون أنواع مختلفة من الأسلحة ولكنهم يشتركون في حمل خراطيم بلاستيكية على أكتافهم – سواء من قوات الجيش أو الشرطة.
دخلنا إلى ملعب المباراة من باب ضيق ولكن من دون حدوث أي إصابات، فوجدنا مدرجات الجزائر مكتملة العدد، ومن هنا بدأ التوتر يسري في صفوف المشجعين: إذا كان كل هؤلاء في الشوارع، ونتعرض للضرب قبل المباراة، فماذا سيحدث بعد صافرة النهاية؟
فيديو: اضغط هنا للقطات لمتابعة دخول الجمهور المصري إلى استاد المريخ قبل المباراة
فيديو: التلفيات التي حدثت للأتوبيس المصري قبل المباراة والتواجد الأمني حول استاد المريخ
فيديو: اضغط هنا للاستماع إلى مشجع سوداني يفسر لماذا حضر لمساندة الفراعنة
غارات جزائرية
حدث ما توقعناه بعد صافرة النهاية، ولكن بصورة أسوأ. علمنا الآن من كان يستقل الطائرات الحربية، ولماذا لم يدخلوا المباراة من الأساس.
فمع خروجنا في حراسة سيارات الشرطة مثلما دخلنا، فإن الغارات الجزائرية بدأت بعد عشر دقائق من مغادرة استاد المريخ، وبأسلوب منظم يشف عن احترافية مرتزقة وسفاحي الجزائر الذين انتظرونا حتى نمُر من شارع إفريقيا المؤدي إلى المطار.
أحجار في حجم تلك التي تستخدم في بناء الأرصفة تنهال من الجانبين على زجاج الأتوبيس وجسمه المعدني، الشرطة المصاحبة لنا داخل الأتوبيس وسيارات النجدة خارجه تبذل محاولاتها لتفريق الجزائريين باستخدام الخراطيم البلاستيكية، وإخراج الحافلة من هذا الكمين ولكن بلا جدوى.
ورفضت عناصر الأمن السودانية طلبات من بعض المصريين لإطلاق بعض طلقات الرصاص في الهواء لتفريق الجزائريين.
"نزل الستاير وطفي نور الأتوبيس .. كله ينزل في الأرض وادعوا ربنا اننا نخرج من هنا على رجلينا" هكذا هتف أحدهم بالمشجعين المصريين من بين ضربات الأحجار على جسم الأتوبيس، وصرخات فتاتين كانتا ضمن المشجعين.
نحو ساعة تحت القصف المستمر، انهار الزجاج تماما واضطررنا إلى خلع مقاعد الأتوبيس كي نضعها في مواجهة النوافذ لنصد قذائف السفاحين الخضر، الذين ما إن تأكدوا من تهشم الزجاج بالكامل، إلا وبدأوا في رشق الأتوبيس بالسكاكين والسنج التي أدت إلى إصابات متفاوتة في صفوف المشجعين.
مع استمرار الضرب وتضاؤل الأمل في قدرة النجدة على السيطرة على الموقف، لم تتحمل أعصاب المشجعين المصريين، ودخل عدد منهم في نوبات هيستيرية خرجت في أشكال صراخ ودعاء في بعض الأحيان وبصور مختلفة تماما عند آخرين.
أحدهم ظل يهتف بصوت عال "إلعــــــب .. إلعب" مع كل حجر جزائري يصيب الأتوبيس، وآخر راح يحادث زوجته تليفونيا "أيوة .. احنا سبنا الاستاد وفي الطريق للمطار .. بنضرب من كل حتى من الجزائريين ومستخبيين في أرض الأتوبيس هاهاها .. والله انا حاسس اننا هنموت هنا .. هاهاها".
فجأة انطلق الأتوبيس في طريق آخر لا ندري كنهه ونحن على الأرض، وبعد نحو عشر دقائق من الانطلاق بسرعة شديدة هبطنا أمام مبنى وكالة طارق نور للإعلان، التي فتحت أبوابها لنا كي نتحصن بها من العصابات التي كانت تطاردنا.
أحمد طارق – مدير عام طارق نور سودانا – كان له الفضل الأكبر في تحويل مسار الأتوبيس إلى مقر الشركة لإنقاذه من الجزائريين الذين كانوا ينتظرون هبوطنا حتى يبدأوا الاعتداءات المباشرة علينا، مثلما حدث مع بعض أتوبيسات أخرى قلبت وتم الاعتداء على مستقليها بالأسلحة البيضاء في الشارع.
ولم يكن أحمد طارق يركب في الأتوبيس نفسه، ولكنه كان يرافق الأتوبيس في سيارته بسبب وجود بعض أصدقائه ضمن أفراد الفوج، وهو ما دفعه إلى التنسيق مع قوات الأمن المصاحبة لنقلنا إلى مقر الشركة، وهي القوات التي كانت تتوقع حدوث احتكاكات بين مشجعين من فريقين مختلفين، فوجدت هجوما أكثر تنظيما ووحشية.
ويروي طارق المشهد من خارج الأتوبيس قائلا: "لن تتخيل المشهد، وكأنها قطعة جبن التف حولها آلاف من النمل .. ربنا أخرجنا سالمين بأعجوبة".
ويضيف "كان اثنين أو ثلاثة يلقون بحجر ويهربون ليلفتوا انتباه الأمن السوداني، ثم تظهر بعد ذلك فرق أخرى تلقي بالأحجاء الثقيلة، وبعدها فرقة ثالثة تلقي بالسكاكين والسواطير".
فيديو: المشجعون المصريون يحتمون بوكالة طارق نور للإعلان في السودان
فيديو: مشجع مصري يروي كيفية إصابته في ساقه بحجر جزائري
انتظار النجدة
ومن مقر وكالة طارق نور سودانا، بدأت اتصالات محمد فؤاد، وهيثم شاكر، ومفيدة شيحة بالفضائيات وبمسؤولي السفارة المصرية في الخرطوم وبكل من يمكنه نجدة المصريين المختبئين كي يأمنوا خروجنا من مقر الوكالة، خاصة مع تخوف البعض من أن يكون الجزائريون قد تتبعونا إلى حيث نحتمي.
بدأنا نحصي المصابين والمنهارين عصبيا ونفسيا من الهجوم. الجميع يشترك مع زملائه في تبادل تفاصيل الاعتداء رغم كونهم في أتوبيسين متجاورين، ويشتركون معا في السجائر، وأقراص البانادول المسكنة، والهواتف المحمولة كي يطمأن كل منهم أهله في مصر بعد وصول الأنباء إلى القاهرة.
أحمد طارق يطلب من المشجعين خلع قمصان المنتخب المميزة وارتداء أي قمصان أخرى، مفيدة شيحة تنقل آخر الأخبار وعلى رأسها غلق بوابات المطار وعدم أمان الشوارع، وفؤاد يتحدث مع أكثر من مسؤول في القاهرة والسودان حتى طمأننا بتلقيه مكالمة من الرئيس حسني مبارك يخبره فيها بأننا سنكون في المطار خلال ساعة.
وبالفعل، بعد أقل من ساعة حضر مندوب من الأمن السوداني ليصحبنا في حراسة من الشرطة والمخابرات إلى المطار، وعلى الرغم من تخوف البعض من تكرار الاعتداءات حتى مع قوات الحراسة المكثفة، فإنهم فضلوا في النهاية الخروج مع الفوج بدلا من الانتظار في مبنى الوكالة وحدهم.
لم تستغرق الرحلة إلى المطار سوى دقائق دخلنا في نهايتها إلى مهبط الطائرات مباشرة، من دون المرور على أي إجراءات أمنية واستقبلنا مسؤول مصري هناك، مؤكدا للجميع أن أي مصري يستطيع الصعود إلى متن أي طائرة متجهة إلى القاهرة، من دون الالتزام بأرقام الرحلات.
ولكن شغب الجزائريين في المطار قبل وصول الأتوبيسين المصريين، وتعطل أكثر من طائرة عن ميعاد الإقلاع والهبوط، أجبرنا على الانتظار أكثر من ست ساعات داخل الطائرة من دون حركة، ومن دون حتى القدرة على الدخول إلى المطار من جديد، خوفا من القوات السودانية من تجدد المواجهات.
مقالات أخرى للكاتب
-
للمبتدئين والتقليديين .. كيف تختار مدربا في 5 خطوات؟ الخميس، 20 نوفمبر 2014 - 12:26
-
لماذا "7" بدلا من "3"؟ الأربعاء، 09 يوليه 2014 - 01:14
-
عضة سواريز.. والحضارة الانسانية الجمعة، 27 يونيو 2014 - 21:46
-
قصتان ينبغي على محمد يوسف أن يقرأهما الإثنين، 17 مارس 2014 - 22:15