رأى كثير من المصريين أنفسهم في جدو، وتمنوا أن يحققوا أحلامهم فيه ومن خلال نجاحه الذي بدا كأسطورة من كتاب حواديت قديم نفض عنه الغبار حسن شحاتة.
انحاز أبناء القرى ولاعبو الحواري ومراكز الشباب للاعب من طينتهم، لم يرى الدوري الممتاز إلا منذ سنوات، وخرج منه ليصبح مادة ثرية لتقارير وكالات الأنباء والمحطات التليفزيونية العالمية، ومحط اهتمام أندية إنجليزية وإسبانية.
تجربة جدو أعادت إمكانية الوصول باجتهادك وعملك إلى مكان رفيع على حساب آخرين عادة ما يحتلون هذه الأماكن بأسمائهم، أو بسلطتهم، أو بضغط من إعلام أو مسؤولين كبار، أو أي مجموعة من أصحاب المصالح.
وحتى هؤلاء الذين هاجموا جدو بحسن نية، معتقدين أنه ليس على مستوى حدث كبير مثل كأس الأمم الإفريقية أو متخيلين أنه كمالة عدد، جاء تعاطفهم معه كبيرا لأنهم شعروا أنهم هاجموه فقط لأنه لا يلعب في أحد أندية القمة، ولا يمتلك سيرة ذاتية كبيرة، أو يلعب أدوار البطولة في إعلانات أي من الشركات الكبرى.
جدو رفع من الروح المعنوية لأصحاب المواهب المدفونة الذين ينقبون عن فرصة كي يثبتوا للجميع أنهم قد يكونوا مفيدين لبلادهم أو حتى العالم كله بشرط الحصول على الثقة والدعم.
رد جدو اعتبار لاعب مثل حمص، لم تخصص له مساحات إعلامية، وساعات في برامج فضائية، أو صفحات في جرائد أو مواقع الكترونية بعد استبعاده من المنتخب في مقابل ما حصل عليه ميدو، أو حتى لاعب مثل شريف عبد الفضيل، الذي بات لا غنى عنه لمجرد انتقاله إلى القاهرة.
باختصار، أعطى جدو السواد الأعظم من المصريين – الذين لا يمتلكون سلطة أو شهرة أو وساطة - أملا في النجاح في هذا البلد، الذي بات الناجحون فيه عملة نادرة.
ولكن كل ما سبق مهدد بالزوال سريعا.
جدو وقع عقدا مع الزمالك قبل سفره إلى أنجولا، رغبة منه في استغلال مستواه الجيد في هذه الأيام للانتقال إلى ناد أكبر، وتحقيق شهرة أكبر، والحصول على أموال أكثر وهو حقه. ولكنه لم يدر أن القدر خبأ له نجاحا مدويا في أنجولا كان كفيلا بتغيير كافة المعطيات التي وقع على إثرها للنادي الأبيض.
وكأي لاعب غير معتاد على الشهرة، لم يستطع جدو التعامل مع التهافت الإعلامي الذي بدأ في حصاره في بنجيلا وتضاعف مع مرور مباريات كأس الأمم الإفريقية وبلغ ذروته بعد الوصول إلى القاهرة، التي ظهر فيها على شاشاتتها الفضائية في يوم واحد أكثر مما يظهر جميع لاعبي الاتحاد السكندري في عام.
وفي أسبوع واحد فقط، أدلى جدو بتصريحات مفادها أنه يرغب في الاحتراف الأوروبي، ويفضل اللعب للأهلي، وسعيد في الاتحاد السكندري، وأنه لم يوقع للزمالك، وكلها أمور إما ثبت عدم صحتها أو تناقضها مع بعضها البعض!
وجدو الآن في طريقه إلى أن يصبح ضحية أطراف أخرى أكبر منه كثيرا وعلى قدر أكبر من الدراية بأصول اللعبة.
فالاتحاد السكندري ورئيسه المخضرم لن يتحملوا اتهامات الجماهير وغضبها إذا سمحت الإدارة لهداف إفريقيا بالرحيل عن مدينة الثغر بسبب تقاعسهم في تمديد تعاقده أو توثيقه، بل وحتى من دون الاستفادة ماليا من ابتعاده عن الفريق الأخضر.
وبالطبع ستلعب إدارة الاتحاد الآن على وتر "تفريغ أندية الأقاليم من النجوم" و"خطف المواهب" وما إلى ذلك من عبارات حماسية للدفاع عن موقفهم وإلقاء الكرة في ملعب اتحاد الكرة والزمالك بالنسخ التي يمتلكونها من العقد الجديد.
والزمالك هو الآخر سيدافع بكل ما أوتي من قوة عن لاعب تعاقد معه كرهان على المستقبل، فأصبح نجم المستقبل والحاضر معا. ولن يفرط بسهولة في صفقة فنية ودعائية وإعلانية في الوقت نفسه، وهي صفقة كفيلة بإرضاء الجماهير البيضاء وحسام حسن الذي هدد بالرحيل بسبب عدم رضاه عن لاعبي فريقه.
ولن يحسم هذا الأمر سريعا، وسيظل عقد اللاعب مثار جدل وشد وجذب بين الطرفين مع احتمال انضمام أطراف أخرى أيضا، ولن أحتاج إلى توضيح الخاسر الوحيد في هذه الحرب لأنكم حتما تعرفونه وحدكم!