ولا يمكن أبدا تحديد الفائز والخاسر من سوق الانتقالات بدون معرفة أهداف كل فريق، وإمكانياته، والسياسة التي تحكمه في خوض رحلتي الشتاء والصيف اللتين تنتظر الجماهير نتيجتهما كل عام.
ويتبع الأهلي سياسة انتقالات تشبه كثيرا ما يعتنقه نادي بايرن ميونيخ الألماني ورئيسه الشرفي القيصر فرانز بيكنباور فيما كان أداء الزمالك عشوائيا فيما يتعلق بالانتقالات حتى هذا الصيف الذي تم التعامل معه بأسلوب يشبه ما اعتاد عليه نادي أرسنال ومديره الفني أرسين فينجر.
وقبل الخوض في التفاصيل، أود توضيح أن هذا التشبيه لا يعني بالضرورة تطبيق السياستين بنفس النجاح الذي يلاقيه عملاقي أوروبا المضروب بهما المثل، ولكنه يساهم في توضيح الفكرة وتجسيد النتائج المتوقعة لكل فريق.
بيكنباور في الأهلي
تتشابه ظروف بايرن مع الأهلي في أنهما دائما "المرشح الأول" للفوز بالدوري المحلي في بلديهما. التتويج هو النتيجة المنطقية الوحيدة بالنسبة للجماهير في القاهرة وميونيخ، وأي شئ أخر غير مقبول، فمن حق الأندية الأخرى التنافس ولكن عدم الفوز باللقب يعد أمرا مفاجئا لمشجعي الفريقين، بعكس الحال في إيطاليا أو إنجلترا، فطريق اللقب مفتوح أمام أربعة أندية في كل بلد.
الحفاظ على هذه المكانة يتطلب دائما ضم اللاعبين الأفضل، وخاصة من الأندية التي تنافس على لقب الدوري المحلي، لأن ضم احتياجات الفريق فقط، أو ضم لاعبين من خارج المسابقة يفتح الطريق أمام المنافسين للاحتفاظ بلاعبيهم الجيدين، ما يعني تحول شخصية المسابقة من النمط الألماني إلى النمط الإيطالي أو الإنجليزي، وهو قد يكون أفضل للمسابقة ولكنه يعد تراجعا للفريق المسيطر على المشهد المحلي.
بايرن ميونيخ يفكر دائما بهذه الطريقة، فعبر السنوات القليلة الماضية كان قوام الفريق الأساسي يتشكل من نجوم الفرق الألمانية المنافسة. أضرب أمثلة بسيطة بمايكل بالاك والمدافع البرازيلي لوسيو اللذين حضرا من باير ليفركوزن وتورستن فرينجز وتيم بوروفسكي وميروسلاف كلوزه وكلاوديو بيتزارو وجميعهم جاءوا من فيردر بريمن، وهما ناديان منافسان لبايرن على الألقاب المحلية.
الأمر نفسه ينطبق على الأهلي، الذي يضم دائما مواهب بارزة من الإسماعيلي ويدخل في مفاوضات مع نجوم الأندية التي تبدي نواياها في المنافسة مثل بتروجيت ووليد سليمان على سبيل المثال، كما يزاحم الزمالك دائما على بعض الصفقات حتى وإن لم يكن في حاجة ماسة إليها.
فالأهلي يضم الأن في مركز لاعب الارتكاز حسام غالي، وحسام عاشور، وأحمد فتحي، وأحمد حسن، والمعتز بالله إينو، وشهاب الدين أحمد، ومصطفى شبيطة، ومحمد شوقي رغم أن هذا المركز لن يشارك فيه سوى اثنين فقط، أو ثلاثة في أخر ربع ساعة من المباريات الكبيرة.
يرى البعض أن هذا الأسلوب يضعف المنافسة المحلية، ولكن أخرين يعتقدون أنه السبيل الوحيد للحفاظ على التفوق النوعي على المنافسين، وعدم التخلي عن مكانة عالية وصل إليها الفريق عبر نجاحات متتالية.
ويرتضي اللاعب بهذا الوضع لأن المغريات كثيرة أولها القيمة المالية التي لا يجدها في الأندية الأخرى، والنجاحات المستمرة التي تأتي مع الاستقرار تواجد هذا الكم الكبير من اللاعبين المميزين، وفرصة أكبر في الانضمام إلى المنتخب.
فبايرن مثلا يتواجد دائما في المراحل المتقدمة لدوري أبطال أوروبا ونادرا ما يخرج منها قبل دور الثمانية، وهو مستوى لا يصل إليه أي ناد ألماني غيره. المشاركة الأوروبية المستمرة تمنح النادي مميزات مالية لا يحصل عليها منافسوه، ويتمكن من تسويق فريق الكرة لديه بشكل أفضل من منافسيه أيضا، وبالتالي يمتلك الموارد التي يستطيع بها استقطاب مزيد من النجوم، وتستمر العجلة نفسها في الدوران.
إذا لم تكن لاحظت، فإن الفقرة السابقة كلها ستظل صحيحة إذا استبدلت كلمتي "بايرن وأوروبا" بكلمتي "الأهلي وإفريقيا".
السياسة نفسها أيضا تضع 100 خط أحمر حول الصفقات الخارجية. صحيح أن الناديين هما الأكثر ثراء في بلديهما، ولكنهما ليسا كذلك في السوق المفتوح، ما يعني أنك لن تجد أبدا لاعبا من فئة "سوبر ستار" اللاعبين الأوروبيين ينضم إلى بايرن ميونيخ لأن النادي لا يتحمل تكلفته أو يستطيع الدخول في منافسة مع ريال مدريد أو برشلونة أو مانشستر يونايتد أو تشيلسي، بل أن الجميع يتذكر كيف حارب النادي البافاري بضرواة كي يحتفظ فقط بفرانك ريبيري بين صفوفه الذي انضم إليهم قبل توهج نجوميته.
الأهلي أيضا لا يمكنه منافسة أندية الخليج على لاعبين أفارقة أو لاتينيين "سوبر" وبالتالي فإن اللاعبين المصريين أو الأفارقة المتميزين في الدوري الممتاز هم الهدف الأقرب خاصة إذا كانوا لا يمتلكون الرغبة في مغادرة أرض الكنانة.
المشكلة الخطيرة في هذه السياسة هي أنها قد تنفجر في وجه صاحبها. فمع هذا الكم من النجوم المعتادين على اللعب بصفة أساسية ودرجة معينة من الشهرة والتواجد ربما يصعب التعامل معهم جميعا في حال عدم وجود مدرب صاحب شخصية قوية، وعادل، وعلى درجة عالية من الإقناع للاعبيه. فمع ضمان التفوق على المنافسين، فإن هذه المجموعة قد تكون ألد أعداء نفسها في ظل مطالبات مستمرة بالمشاركة، وغضب من التغيير، وعدم تقبل نقد غير معتاد، ورغبة في الحصول على أكبر قدر من الشهرة والتواجد.
فينجر في الزمالك
الزمالك أمره مختلف ويميل أكثر إلى نموذج أرسنال الإنجليزي. فالناديان لا يمتلكان القدرات المالية لمنافسيهم المحليين، وبالتالي فإنهما يخسران معظم الصفقات التي يرغب فيها هؤلاء المنافسين. كم مرة تتذكر أرسنال يخطف لاعبا من تشيلسي أو يونايتد وأخيرا مانشستر سيتي؟
السؤال نفسه ينطبق على الزمالك، فباستثناء عمرو زكي، فشل النادي الأبيض تقريبا في حسم كل السباقات الثنائية والأمثلة كثيرة وأقربها المعتصم سالم، وحسام غالي، ومحمد شوقي .. ولن أتطرق إلى جدو لأن امره لايزال قيد التحقيق.
ولكن ما يثير الإعجاب حقا في هذه السياسة، أن أصحابها لا يستسلمون للأمر الواقع. فهناك من يقول "ليس لدي أموال .. وليس بيدي شيئا أفعله" ولكن أرسين فينجر، والآن التوأم حسن ومعهما حازم إمام يقولون "نعم، لا نمتلك نفس القدرات المالية، ولكن هذا لا يعني خروجنا من المنافسة".
ولأنه لن يستطيع ضم مدافع بثمن جون تيري، فإن أرسنال يبحث ويفتش حتى يجلب لاعبا مذهلا مثل توماس فيرمايلن. ولأن ضم مايكون وداني ألفيس مستحيل، فإنهم ينقبون حتى يكتشفون بكاري سانيا. ولأن أي مهاجم في الصف الأول الأوروبي سيكون مبالغا في سعره، فإن إدواردو قد يكون حلا عبقريا للأزمة.
الزمالك لم يستطع ضم غالي أو شوقي، ولكن عاشور الأدهم لاعب وسط متميز وسط أقرانه في الدوري الممتاز، والأهم من ذلك أنه أفضل من أقرانه داخل الفريق الأبيض، ما يعني أنه علاج قد يكون ناجح لانهيار وسط الملعب بعد إصابة إبراهيم صلاح أمام الأهلي في كأس مصر الموسم الماضي.
أبو كونيه ليس ديديه دروجبا أو صامويل إيتو، ليس حتى عماد متعب أو عمرو زكي، ولكنه حل تكتيكي متميز لمشكلة صادفت الزمالك كثيرا وهي ثقل نقل الهجمة من رأس الحربة إلى لاعبي الأجنحة بسبب تلعثم أحمد جعفر في السيطرة على الكرة وتمريرها، كما أنه حل بدني متميز أيضا للكرات المشتركة الضائعة بسبب صغر حجم شريف أشرف.
الدليل على ما سبق لايزال في الأذهان واسمه حسين ياسر. فاللاعب الذي كان حبيسا لمقاعد بدلاء الأهلي، ولم يتشرك شوطا كاملا أبدا طوال عام ونصف، بات اللاعب الأبرز في صفوف الزمالك طول النصف الثاني من الموسم، وسجل مرتين في شباك الفريق الأحمر، وأنهى الموسم لاعبا مؤثرا بنفس قدر شيكابالا، ما يعني أن اللاعبين الذين لا يرغب الأهلي فيهم قد يكونون ذوي فائدة كبيرة للزمالك وأن اللاعبين الذين لا يتمتعون بصفة النجومية مع مانشستر يونايتد يمكن جدا أن يتألقوا في أرسنال.
الأمر نفسه ينطبق على عصام الحضري، فكون الأهلي رفض عودته لا يعني بالضرورة أن الزمالك فرط في كبريائه وكرامته بالتعاقد معه، لأنه – من وجهة نظر مسؤوليه – حل سحري لأزمة واجهت الفريق كثيرا طوال المواسم الماضية عند إصابة عبد الواحد السيد ... وإن كنت شخصيا لا أتفق مع وجهة النظر هذه.
جزء كبير من هذه السياسة أيضا يعتمد على لاعبي فرق الشباب والناشئين بالنادي. فمن الطبيعي أن تجد أرسنال يواجه فريق مثل بلاكبرن أو أستون فيلا في ربع نهائي كأس كارلينج بـ11 لاعبا منهم تسعة غير معروفين على الإطلاق، ومع تتبعهم تجد أنهم من الأكاديمية أو فريق الاحتياطيين Reserves يلعبون بجوار نجم أو اثنين من الفريق الأول.
حسام حسن بدأ هذا الاتجاه منذ الموسم الماضي، فمع "العميد" لعب عمر جابر، ومحمد إبراهيم، ومصطفى حجاب، ومحمد رفاعي مع الكبار وثبت أقدام حسام عرفات، وعلاء علي، ويحاول تقويم حازم إمام ربما يفلح لأن التنازل عن لاعبين مميزين بسبب نقص الخبرة هي رفاهية لا يقدر عليها الزمالك الآن.
مع مدير فني متميز مثل حسام حسن، تنتج هذه السياسة فريقا قويا ومتجانسا ارتكازا على نجم أو نجمين مثل عمرو زكي وشيكابالا، وتتضاعف فرص فوزه على الفرق المتوسطة والصغيرة ومن ثم المنافسة على الألقاب ولكن العيب القاتل في هذه السياسة هو عدم تكافؤ الفرص في المباريات الكبيرة.
فهؤلاء اللاعبين قد ينهارون مع الضغط العصبي، أو التأخر أمام منافس قوي، أو يفشلون في الحفاظ على تقدمهم أمام غريمهم اللدود وبالتالي خسارة مواجهات مباشرة هامة، وهي أعراض ظهرت على الزمالك في مباراتي الأهلي الأخيرتين، ومباراتي حرس الحدود أيضا، وأمام الإسماعيلي في الدور الثاني من المسابقة.
خلاصة القول
الأهلي نجح بتقدير امتياز في سوق الانتقالات الصيفي وفقا لسياسته وأهدافه وميزانيته. الزمالك أيضا نجح بتقدير جيد جدا بما هو متاح من إمكانيات تفاوضية ومالية .. المهم أن يستطيع كل منهم تحقيق أقصى استفادة مما جمعه من لاعبين مع انطلاق الموسم.