وقد تعلمنا جميعا ونحن لانزال نتعرف على عالم كرة القدم أن صانع الألعاب هو لاعب غالبا قصير القامة، خفيف الحركة، يمتلك قدرة كبيرة على السيطرة على الكرة، ويرسل تمريرات بينية قاتلة للاثنين المهاجمين اللذين يلعبان أمامه.
وهذا التصور مبني إما على الثقافة الكروية المحلية بطريقة 3-5-2 التي نتبناها منذ ما يقرب من 20 عاما والتي كان من أضلاعها الأساسية صانع لعب اسمه رضا عبد العال أو وليد صلاح الدين أو حازم إمام.
وربما يكون مبنيا أيضا على الكرة اللاتينية سواء من البرازيل أو الأرجنتين بما قدمته من صانعي ألعاب كلهم يشغلون هذه المساحة من الملعب منذ السبعينات إلى الآن.
ولكن في حقيقة الأمر فإن صناع الألعاب أنواع مختلفة، لكل منهم منطقة معينة، مع ضرب أمثلة محلية وعالمية لتوضيح الفوارق بينهم جميعا.
فمنهم صانع لعب/جناح (أرين روبن – محمد بركات) ... وهناك صانع لعب/مهاجم متأخر (دينيس بيركامب – محمد أبو تريكة) ... وهناك من يستطيع القيام بالدورين (ليونيل ميسي – شيكابالا) ... بل وهناك صانع لعب/ارتكاز (سيسك فابريجاس – أحمد حسن).
لا يمكن الاختلاف على أن كل الأسماء السابقة يمكن تصنيفها "صانع ألعاب" ولكن هل تستطيع تخيل روبن مثلا يوظف خلف الاثنين المهاجمين؟ هل يمكن أن ينجح فابريجاس كجناح؟ كيف كان سيظهر بيركامب إذا تم وضعه كلاعب ارتكاز؟
كيف يلعب جدو؟
قد تكون المقدمة السابقة طويلة نسبيا، ولكنها ضرورية قبل تناول أسلوب لعب جدو، الذي بين ليلة وضحاها تحول من لاعب أقاليم في الدوري المصري، إلى هداف كأس الأمم الإفريقية في عدد محدود من الدقائق.
الصورة الرئيسية أعلاه توضح الأماكن التي سجل منها جدو أهدافه الخمسة في كأس الأمم، وهدفه في مرمى مالي وديا قبل انطلاق البطولة، وهدف محلي باللون الأخضر سجله مع الاتحاد السكندري في مرمى الأهلي الموسم الماضي.
الملاحظة الأولى: ستة من هذه الأهداف السبعة بدأت حركة جدو إليها من قلب الملعب، باستثناء هدف واحد سجله بعد الانطلاق من الجناح الأيسر بعد تمريرة من محمد زيدان.
الملاحظة الثانية: خمسة من الأهداف السبعة، أحرزها جدو من داخل منطقة الجزاء أو من على حدودها، وهدفين أمام نيجيريا ومالي من تسديدات بعيدة في مواجهة المرمى.
الملاحظة الثالثة: لم يحتج جدو إلا للمسة واحدة أو اثنتين على الأكثر لهز الشباك، فهو إما يسدد مباشرة مثلما فعل أمام الكاميرون والجزائر في كأس الأمم وأمام الأهلي في الدوري الممتاز، أو من لمستين مثلما جاء في باقي الأهداف.
وتضع الملاحظات الثلاث جدو في خانة (صانع لعب/مهاجم متأخر) الذي يتميز بسمات واضحة على رأسها أنه يكره خط التماس لأنه يحد من مناوراته، يحب استلام الكرة في قدميه والجري بها بدلا من الجرى خلفها، يلجأ إلى الانطلاق في خط مباشر إلى المرمى، يحتاج إلى مساحات يمينا ويسارا كي يستطيع توزيع الكرة، لمساته قليلة ولكنها مؤثرة.
هذه الصفات لا تستقيم أبدا مع مركز الجناح، لأن الجناح عادة يحب الانطلاق خلف الكرات الطولية على خط التماس، ولا يستطيع الوصول إلى المرمى في خط مستقيم، كما أنه من موقعه هذا لن يتمكن أبدا من التسجيل بلمسة واحدة إلا في مرات نادرة.
لماذا تألق أمام المصري؟
تعرض جدو لظلم شديد في مركزه الجديد كجناح أيمن أو أيسر بالتبادل مع محمد بركات، لأنه لا يستطيع القيام بما يفعله الأخير، ويحرمه من صفاته التي ساهمت في تألقه بكأس الأمم الإفريقية الأخيرة.
فإذا كان حسام البدري المدير الفني للأهلي مصمم على صناعة اللعب من الأطراف، فلاعبه الجديد لا يصلح، "فمش أي صانع ألعاب في اي مكان في الملعب، يبقى جدو!"
ولكن جدو ظهر بصورة رائعة أمام النادي المصري خاصة في الشوط الثاني بسبب تحويله من جناح أيسر، إلى مهاجم متأخر خلف محمد فضل، فيما لجأ أبو تريكة إلى السقوط حتى منتصف الملعب لاستلام الكرة وتوزيع اللعب.
وظهر جدو "الأنجولي" في ثلاث لقطات هامة للغاية في هذه المباراة، سجل في الأولى (من لمسة واحدة من داخل منطقة الجزاء)، وهيأ في الثانية كرة رائعة لمحمد شوقي (بلمسة واحدة بالرأس) وصنع في الثالثة فرصة خطيرة لفضل من تمريرية بينية أطاح بها رأس حربة الأهلي فوق العارضة.
وعلى الرغم من أن سيد معوض هو الذي دفع ثمن هذا التغيير التكتيكي، لأنه بات يلعب بطول الخط الأيسر وحده دفاعا وهجوما، فإن جدو لمع بشدة، وساهمت لمساته في خطورة كبيرة خاصة في الألعاب السريعة مع أبو تريكة وسيد معوض وأحمد حسن بعد نزوله.
إذن أين مكان جدو إذا كان حسام البدري مصرا على اللعب بجناحين صريحين؟ يلعب جدو في هذا السيناريو مكان أبو تريكة، أو كرأس حربة بدلا من فضل، وإن كان الحل الأول أفضل للاعب نفسه، مع الدفع بأحمد شكري كجناح صريح، بعدما أثبت قدرته في هذا المكان مع الأهلي أو مع منتخب مصر للشباب.
شاهد كيف يتألق جدو بتقديم مختلف من FilGoal.com