السبب أن حسام البدري وحسام حسن لم يعرفا كيف يـ"ضبطان" توليفة محكمة في ظل المواهب التي أضيفت إلى قائمة الفريقين.
فتشعر أن انتقال أبو كوني أثر سلبا على الزمالك، رغم أن الفريق كان بحاجة لمن بمواصفات هذا اللاعب من نشاط وقدرة على ربط الوسط بالهجوم طوال موسم مضى.
والبدري بدوره تمتع سابقا بمرونة خططية، لكنه يبدو الآن غير شجاع ليقدم على اللعب بثنائي هجوم مثلا، لأن النتيجة ستكون جلوس أبو تريكة أو بركات أو جدو على الدكة.
ذلك برغم أن اللعب بثنائي هجوم قد يحل بعضا من مشاكل الأهلي الهجومية، في ظل امتلاك فضل الذكاء في التحرك دون كرة، وإمكانية مزج ذلك بطاقة محمد طلعت مثلا.
لكن لأكون منطقيا في تقديري لمستوى الأهلي والبدري هذا الموسم حتى الآن، فإن 4-2-3-1 ليست سبب خفوت أداء الشياطين، بل لأن تطبيقها "يفتقر للنظام والحبكة".
أما الزمالك، فسبب عدم تطوره للآن هو افتقاد الفريق للـ"توازن"، وهو ما يظهر في مستوى دفاع الفريق الأبيض الذي كان مميزا مع العميد، حتى بدأ الموسم الجاري.
نظام الأهلي
ما يعاني منه الأهلي هو أن كل لاعب لا يعرف كيف يتحرك مع زميله ليصنع خطة متكاملة، خاصة وأن 4-2-3-1 تحتاج لمرونة، أي أن كل لاعب يجب أن يؤدي أكثر من دور .. وأفضل مثال على ذلك منتخب ألمانيا.
ميسوت أوزيل كان يلعب على الجناح الأيمن، لكنه يقدم دور صانع ألعاب .. وتوماس مولر كان يتواجد كصانع ألعاب، لكنه يظهر كمهاجم ثان .. وهكذا.
أما البدري فيطبق طريقة 4-2-3-1 دون مرونة تذكر، كل لاعب واقف في موقعه بلا نظام حركي وميكانيكية تساعد الفريق على فك التكتل الدفاعي للخصوم.
بداية، لا يحتاج الأمر لاجتهاد لمعرفة أن مفتاح عدم تألق الأهلي هو اختفاء سحر أبو تريكة، ولكن في الحقيقة، فإن السبب وراء عدم تألق نجم مصر ليس مركزه.
أبو تريكة يتمركز مع البدري في نفس الموضع الذي طالما تألق خلاله سواء في الأهلي أو المنتخب، تحت رأس الحربة.
لكن سبب ظهوره كمهاجم ثان وليس كصانع لعب، هو افتقار الأهلي للكثافة الهجومية داخل منطقة جزاء الخصم.
فالتزام جدو وبركات بمواقعيهما على الجناحين، وعدم تحرك أي منهما لمنطقة جزاء الخصم دون كرة، يجعل فضل وحيدا، وصيدا سهلا للرقابة، لذلك يصبح أبو تريكة مجبرا على التحول لمهاجم، حتى يعين فضل على فتح مساحات في دفاع الخصم.
ومع تحول أبو تريكة لمهاجم، يفقد اللاعب أهم مميزاته كمبدع يعرف كيف يصنع الفارق بتمريرة، ويخسر الأهلي عنصر الربط بين خطوطه.
شاهد الفيديو التالي، لتزيد الفكرة وضوحا وتستطيع تصورها بشكل أكبر:
ظهر في مباراة المصري والشوط الأول من لقاء القبائل، أن صاحب القميص 22 لا يتألق إلا حين يلعب جدو في العمق على حدود المنطقة، وراء فضل، وأمام أبو تريكة.
ودخول جدو لمنطقة جزاء الخصم أو تحرره من مركز الجناح بشكل عام يحتاج إلى مساندة من سيد معوض هجوما.
فحين يتقدم معوض يسارا أو أحمد فتحي يمينا يصبح وقتها ممكنا أن ينطلق بركات أو جدو بحرية أكثر في الملعب سواء على الجناح أو العمق، للتواصل مع تريكة وفضل.
لكن ماذا لو خسر الأهلي الكرة أثناء هجوم معوض، وكان جدو في العمق .. من يحمي الجبهة اليسرى خاصة وأن معظم المنافسين يعتمدون في المرتدات على الجناحين؟
اختبر البدري حلين، وأثبتا فشلا كبيرا، أولهما تكليف عاشور بالميل ناحية اليسار، وحين حدث ذلك انهار وسط الأهلي، لأن حسام غالي يصبح وحيدا أمام الخط الخلفي.
كما أخفق الحل الثاني للبدري وهو الدفع بشريف عبد الفضيل وراء معوض أثناء هجوم الأخير، وذلك كون الأهلي يحاول دائما الهجوم بالجناحين معا.
لتصور هذه الأفكار وهضمها بشكل أسهل .. شاهدوا هذا الفيديو:
الآن، دعونا نستعيد الأفكار .. الأهلي غير مترابط لأن تريكة يظهر كمهاجم ثان وليس كصانع لعب .. والحل أن يلعب جدو في العمق حتى يدعم فضل ويمنح أبو تريكة مساحة حرية .. وليحدث ذلك يجب على معوض أن يهاجم أكثر.
ومشكلة البدري الرئيسية أنه لم يصنع "مرونة منظمة" في طريقة هجوم الأهلي، تجعل جدو يلعب في العمق، دون أن يعرض الجناح الأيسر لخطر دفاعي.
فالبدري يجد أبو تريكة غير متألق، ليسحبه من الملعب ويضع أحمد حسن مكانه .. يعرف أن جدو لن يتألق على الجناح فيحوله إلى العمق، يجد بعد ذلك أن معوض بلا غطاء دفاعي، فيعيد جدو مجددا للجناح .. وهكذا.
ما يحتاجه الأهلي هو الجمع بين كل العناصر، بحيث يتقدم معوض مدعوما بعناصر دفاعية تحمي جبهته، مع تكليف جدو بالدخول للعمق، ما يساعد أبو تريكة وهكذا.
فتحي يستطيع علاج مشاكل الأهلي لو اهتم أثناء الهجمات التي تنطلق من اليسار، بمساعدة غالي، بينما يتكفل عاشور أو عبد الفضيل بالتناوب على حماية معوض.
بمعنى، أن فتحي لا يزيد أثناء هجوم معوض، والعكس صحيح .. وحين يتقدم شريف عبد الفضيل لدعم معوض يتوقف حسام عاشور عن التقدم، حتى لا تنكشف الخطوط.
وبدلا من الاستفاضة أكثر في الكتابة، شاهدوا في هذا الفيديو ثلاثة حلول ممكنة لعلاج مشاكل خطة الأهلي الحالية:
فكرة النظام الذي يغيب عن خطة البدري يظهر كذلك في اختياراته أحيانا .. على سبيل المثال وجود عاشور وشوقي معا في تشكيل واحد، أو عدم الاعتماد على أي لاعب أعسر مثل أحمد شكري لو غاب معوض عن أي لقاء.
أخيرا، البدري يستطيع تدارك تراجع أداء الأهلي، فقط عليه تصحيح تلك النقاط التي تحتاج للحنكة .. لأن التفاصيل الصغيرة تصنع الانتصارات الكبيرة.
توازن الزمالك
على عكس الأهلي، الزمالك منظم بشكل كبير مع حسام حسن .. لكن الفريق الأبيض هذا الموسم فيه عيب خطير وهو "غياب التوازن".
حسام اعتمد في الموسم الماضي على اسلوب "تكثيف وسط الملعب" بخمسة لاعبين حتى يسيطر على إيقاع اللعب، ويقلل من خطورة المنافسين على دفاع فريقه.
وكان الزمالك يفوز في الموسم الماضي بنتائج قليلة، لكنه قلما خسر نقاط في أي مباراة نظريا مع خصم أقل، ونال العميد وقتها إشادة الجميع.
أما هذا الموسم، أضاف حسام عناصرا هجومية على حساب الوسط ، فبات الفريق الأبيض يفقد الكرة أسرع، ومن هنا أتت المشاكل.
ظن حسام حسن أن وجود أبو كوني كفيل بربط وسط الزمالك بخط الهجوم، لكن وقف أمامه ثلاث حقائق مهمة.
أولا: لا عاشور الأدهم ولا حسن مصطفى أو إبراهيم صلاح يجيد التمرير لدرجة تحفظ الكرة بين أقدام الفريق دائما أثناء الهجوم، فلا تذهب الكرة للخصم بتمريرة خاطئة.
ثانيا: خط دفاع الزمالك لعب الموسم الماضي محميا بخمسة لاعبين في الوسط، أما وقد أصبح الزمالك يلعب بثنائي هجوم وجناحين، بات الخط الخلفي مطالبا بالتقدم بشكل أكبر، والسرعة ليست من صفات فتح الله، والتمركز السليم ليس أبرز أسلحة الصفتي.
النقطة الثالثة تتعلق بضعف الظهير الأيمن للزمالك وكونه ثغرة واضحة، لعل إبراهيم أيو أو أحمد سمير بعد ذلك يغلقها.
حسنا لقد استعرضت مشكلة الزمالك نظريا، دعونا الآن نرى كيف يلعب الفريق والاسلوب الأمثل لمنحه "التوازن" المفقود.
بداية، شيكابالا أهم أسلحة الزمالك، وبالتالي يركز حسام حسن الخطة على لاعبه الأسمر، إذ يضعه في أفضل موقع له على الملعب وهو مركز الجناح الأيمن.
فكلاعب مبدع أعسر، أفضل موقع لشيكابالا هو الجناح الأيمن، حتى يدخل العمق بقدمه العكسية ويصنع الفرص للزمالك سواء بكرة بينية أو تصويبة.
وطالما يهتم شيكابالا بالعمق، يعول حسام على حسين ياسر في فتح الملعب بالتحرك على آخر الجناح الأيسر، بينما المفترض أن يربط أبو كوني الهجوم بالوسط.
لكن مع دخول شيكابالا الدائم للعمق، فإن الزمالك يحتاج من ظهيره الأيمن أن يتقدم ليفتح الملعب على مصرعيه أمام حسين ياسر، فتتم عملية خلخلة دفاع الخصم.
شاهد الفيديو التالي لتتصور الطريقة بشكل أكبر:
طبعا حين يكون الظهير الأيمن للزمالك مطالبا بالهجوم، فلا داعي في الاسترسال وتوضيح ماهية المشكلة التي يعاني منها حسام حسن.
في الموسم الماضي، كان علاء علي يلعب تحت رأس الحربة، بحيث يتجه للجناح الأيمن لتأمينه حين يدخل شيكابالا للعمق، اما مع كوني .. فالظهير الأيمن للزمالك بلا غطاء.
خاصة وأن الظهير الأيمن للزمالك أصلا لاعب ضعيف للغاية، سواء عمر جابر أو غانم .. وأي مدرب متوسط الذكاء بات عالما بهذا، ويضع أمهر لاعبيه في تلك الجبهة.
وتماما مثل الأهلي، حل تغطية عاشور الأدهم على الجبهة اليمنى لا ينجح، لضعف جابر وسلطان من جهة، ولأن صلاح لا يستطيع تحمل كل أعباء الوسط بمفرده.
العلاج يكمن في منح الفريق بعض التوازن بالتحركات، مثل أن يتمركز أبو كوني كلاعب وسط، ثم يتحول لمهاجم مع استمرار الهجمة، وضمان أنها لن تتحول لمرتدة.
الحل الثاني، أن يتحرك أبو كوني من الجانب الأيمن دوما، بحيث يأخذ هو وشيكابالا انتباه الظهير الأيسر للفريق الخصم، ويدفعانه لأن يتحرك معهما لمنطقة الجزاء.
وقتها حتى لو خسر الزمالك الكرة وصنع الخصم هجمة مرتدة، لن تكون هناك كثافة عددية ضد الظهير الأيمن للفريق الأبيض.
الحل الثالث هو تغيير الخطة، سواء بإضافة هاني سعيد كليبرو أو حسن مصطفى إلى صلاح والأدهم مع الاعتماد أكثر على ظهيرين هجوميين مثل حازم وعبد الشافي.
ويمكن تفهم تلك الحلول أكثر بالفيديو التالي:
أخيرا، بالنظر إلى حجم هذا المقال – وأعتذر عن طوله وأنه قد يأخذ الكثير من وقتكم - دعونا نؤجل لقاء "مع القراء" للمرة المقبلة مع وعد بمناقشة كل الأفكار التي تطرح علي عن طريق التعليقات أو Facebook إن شاء الله.