اعتمد النيجر على نصب مصيدة التسلل كي يتخلص من حمل ثقيل هو مراقبة مهاجمي الفراعنة وتجنب الدخول في صراعات فردية (رجل لرجل). وعلى الرغم من الأسلوب البدائي الذي أدى به أصحاب الأرض لعبة كشف التسلل، فإن المخضرمين من لاعبي مصر فشلوا في التعامل معه، وربما لم يساعدهم على ذلك الجهاز الفني من خارج الملعب.
من شاهد مباراة النيجر وجنوب إفريقيا في الجولة الأولى من التصفيات لن يشعر بمفاجأة في أسلوب لعب الفريق المنافس، الذي اعتمد عليه في اللقاء الأول والذي خسره بهدفين نظيفين.
ويعتمد النيجر على "خط الدفاع المتقدم" ما يطلق عليه بالإنجليزية High Backline أي تقدم رباعي الخط الخلفي إلى قبيل دائرة المنتصف كي يضغطوا الملعب طوليا، وبالتالي يركزون جهدهم الدفاعي على مساحة أقل، ويتركون قانون التسلل يعمل لمصلحتهم في إيقاف انطلاقات لاعبي مصر.
لذلك كان يقع عمرو زكي وأحمد علي وأيضا محمد أبو تريكة في مصيدة التسلل في مناطق متقدمة جدا من الملعب، ما يقتل الهجمة في مهدها ويعيد الفريق المصري إلى محاولة استعادة الكرة من جديد بدلا من التركيز في بناء هجمات.
وتمسك النيجر أيضا في تطبيق مصيدة التسلل حتى في الكرات الثابتة قرب منطقة الجزاء، وهو ما تجلى في الدقيقة 75 من اللقاء حينما وضع محمود فتح الله الكرة في الشباك ولكن الهدف لم يحتسب بسبب تسلل المدافع الدولي إضافة إلى اثنين من زملائه في اللعبة نفسها!
كيف تضربها؟
خط الدفاع المتقدم طريقة في غاية الخطورة وتحتاج إلى قدرات خاصة من المدافعين كي يتم تطبيقها بنجاح، وهو ما جعل الاعتماد عليها يقتصر على عدد محدود للغاية من الفرق التي تمتلك مدافعين أصحاب مهارات وسرعات عالية كالمنتخب الإسباني في كأس العالم على سبيل المثال.
ولكن مع الفرق أصحاب المهارات الفردية المتواضعة في الخط الخلفي مثل النيجر، فإن ضرب هذه المصيدة يتطلب أمرين لا ثالث لهما، وهذين العاملين كانا السبب خلف الهدفين اللذين أحرزتهما جنوب إفريقيا في الفريق نفسه.
الأمر الأول هو الضغط المتواصل في منتصف الملعب، لأن التقدم الكبير للدفاع يعني أن فقدان الكرة في الثلث الأوسط قد يؤدي إلى انفرادات كاملة بالحارس ويعرض المدافعين لخطر الحصول على بطاقات حمراء في حال التدخل بعنف من الخلف.
وسجلت جنوب إفريقيا هدفها الأول من ضغط كهذا، إذ قطع لاعب الكرة في منتصف الملعب وأرسل تمريرة من لمسة واحدة إلى المهاجم المنطلق من الخلف الذي لم يجد صعوبة في وضعها في الشباك.
أما العامل الثاني فهو توجيه المهاجمين إلى التراجع للوسط ثم توظيفهم كمحطة تمريرات قُطرية كي ينطلق خلفها الظهيران الأيمن والأيسر من قبل خط المنتصف لضرب مصيدة التسلل. في هذه الحالة يبدأ المدافعون في التراجع ووجوههم إلى مرماهم، ما يمنعهم من إحكام الرقابة على المهاجمين حينما يعاودوا الاتجاه نحو منطقة الجزاء.
الهدف الثاني لجنوب إفريقيا جاء من تطبيق للعامل الثاني، اذ انطلق الجناح الأيمن تقريبا بلا رقابة قبل أن يرواغ أقرب لاعب من النيجر ويرسل عرضية متقنة فيما كان ثلاثة من مدافعي النيجر ينظرون إلى الكرة، التي وضعها بسهولة أحد مهاجمي جنوب إفريقيا المتمركز في المنطقة بلا مضايقة.
ما الذي افتقر إليه المنتخب المصري؟
بداية، الأساس في ضرب أي مصيدة تسلل سواء كانت بأسلوب الدفاع المتقدم أم لا هو التمرير السريع من لمسة واحدة أو لمستين على الأكثر من خلال ألعاب ثنائية تقليدية مثل one-two وهو ما لم يطبقه الفريق المصري سوى نادرا في المباراة.
وافتقر الفراعنة إلى الضغط في منتصف الملعب بصورة شبه كاملة، فثلاثي الوسط لم يضم سوى لاعب واحد يجيد هذه المهارة وهو أحمد فتحي، أما حسام غالي فهو بطبيعة لعبه يميل إلى بناء الهجمات وتنويع اللعب أكثر من استخلاص الكرة ثم هناك أبو تريكة الذي لا يتم عادة تكليفه بأدوار دفاعية.
وظهر بشدة عدم وجود لاعب يعوض غياب أحمد حسن وحسني عبد ربه، اللذين يستطيعان القيام بالضغط والاستخلاص في منتصف الملعب باقتدار كبير.
وربما كان ممكنا الاستفادة في مباراة كهذه من حسام عاشور مثلا بسبب تمكنه من القيام بالضغط في منتصف الملعب، أو على الأقل وضع لاعب إضافي على الدائرة لمقابلة لاعبي دفاع النيجر المتقدمين، وإجبارهم على ارتكاب بعض الأخطاء في التمرير والاستلام.
منتخب مصر استغل العامل الثاني بصورة أفضل نسبيا، إذ جاءت جميع الفرص الخطيرة لمصر – باستثناء تمريرة محمد فضل لعمرو زكي في الشوط الثاني – من الأجنحة.
فأحمد المحمدي أرسل عرضية خطيرة في الشوط الأول فشل زكي وأحمد علي في توجيهها على الرغم من أنهما بلا رقابة من المدافعين الذين كانوا ينظرون للكرة.
في الشوط الثاني، أرسل وليد سليمان أكثر من عرضية خطيرة بعد انطلاقات ناجحة وسريعة للغاية على الجانبين الأيمن والأيسر بلا رقابة أيضا، ويظل المهاجمان المصريان متأخران عن اللحاق بالكرة.
وفي هذه النقطة تحديدا، جاء تغيير زكي ليقتل فرص مصر في التسجيل، لأنه المهاجم الوحيد الذي يمتلك من المجهود ما يمكنه من التراجع والتقدم باستمرار، والتمرير الدقيق على الجانبين الأيمن والأيسر، ثم التسجيل برأسه استقبالا للعرضيات، وهي الصفات التي لا تجتمع في فضل أو أحمد حسن مكي.
نقطة أخيرة
الخسارة لا تتعلق بتقدم أعمار اللاعبين، أو أن الجهاز الفني قدم كل ما لديه، أو ما شابه من هذه التفسيرات ولكن الهزيمة جاءت بسبب أخطاء فنية واضحة في الملعب، وهي الأخطاء التي قد تطيح بالفريق من التصفيات إذا لم يتم الانتباه إليها.