كتب : وليد الحسيني | الخميس، 28 أكتوبر 2010 - 12:11

فسادنا وفسادهم

لم يفاجأ العالم بتفجير قضية رشوة عدد من أعضاء المكتب التنفيذي للإتحاد الدولي لكرة القدم " الفيفا " قبل أيام ، والتي أتهم فيها عضوين بالتفاوض على تقاضي رشوة لمنح أصواتهم للولايات المتحدة الأمريكية لإستضافة مونديال 2022 ، بخلاف أربعة أعضاء أخرين تم إيقافهم ، خاصة وأن أغلب المتابعين والمهتمين بشئون كرة القدم يعرفون جيدا مدى الفساد الموجود داخل مؤسسة الفيفا منذ سنوات ، وأغلب مسؤوليه ليسوا فوق مستوى الشبهات.

اللافت للنظر أن الأعضاء الستة المتهمين بينهم أربعة من القارة الأفريقية ، وهو أيضا أمر ليس بمستغرب ، ولم يفاجأ أحد بذلك لانه أمر متوقع ، لاسيما وأن الفساد داخل الإتحاد الأفريقي لكرة القدم " الكاف " لا يقل عن فساد الفيفا ، بل أن الفساد في مؤسسة كرة القدم في العالم لا يختلف إلا في صورته فقط ، فكرة القدم في القارة الأفريقية تعيش على الفساد مثلها مثل أغلب الإتحادات الكروية في العالم ، والكل يعلم كيف ينجح المرشحين في الإنتخابات ، سواء في الفيفا أو في الكاف ، وأصبحت كرة القدم مصدر رزق حتى لو كان حراما "والحساب يوم الحساب".

لم يفاجأ أحد بفساد أربعة من المسؤولين في الكاف في قضية الفيفا الأخيرة ، خاصة وأن الجميع يعلم مدى الديكتاتورية التي تعيشها أغلب الدول الافريقية ، والديكتاتورية لا تنبت إلا فسادا ، وأظن أن التجارب العديدة أثبتت ذلك بما لا يدع مجالا للشك، وستمر أزمة الفيفا دون ضحايا حقيقيين ، رغم كل التصريحات العنيفة التي أطلقها رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم "الشيخ" جوزيف بلاتر ، خاصة وأنه نظام كامل لا يستطيع أحد إقتلاعه ، ومجرد الإقتراب منه يعني إنهيار مؤسسة كرة القدم في العالم ، وهو أمر غير مسموح به.

فساد الفيفا لا يختلف عن فساد الجبلاية ، اللهم إلا في صورته وطريقة إدارته ، ولكن كلاهما يفسد بصورة أو بأخرى، إلا أن الفيفا عندما إنكشف أمره أمام العالم أضطر إلى إجراء تحقيقات عن طريق لجنة الإنضباط ، ولكن عندما ينكشف الفساد في الجبلاية ، فلا حس ولا خبر ، وتظل المراكب سائرة في نهر الفساد الذي يعيش فيضانا في السنوات الأخيرة يهدد إستمرار الحياة الكروية.

لم يفاجأ المسؤولون في الإتحاد المصري لكرة القدم بقضية الرشوة التي تفجرت داخل الفيفا ، خاصة وأن هؤلاء المسؤولين يعرفون كيف تسير الأمور داخل المؤسسة الأكبر لكرة القدم في العالم ، وكانت لهم تجربة مع أعضاء المكتب التنفيذي للفيفا ، أبان فترة تقديم الملف المصري لتنظيم كأس العالم 2010.

ويسأل عن ذلك رئيس إتحاد كرة القدم بترنداد وتوباجو جاك وارنر، الذي يشغل في نفس الوقت إحدى مناصب عضوية المكتب التنفيذي للفيفا ، حيث حصل المنتخب الترندادي على 600 ألف دولار مقابل اللعب مع منتخب مصر "رشوة مقنعة" ، رغم أن المنتخب الترندادي غير مصنف ولا يستحق أي شيء من هذا المبلغ، وهو ما إعترف به علي الدين هلال ، أمام مجلس الشعب عندما كان وزيرا للشباب.

- ألم يحن الوقت لتدخل وزير الإعلام أنس الفقي ، لإعادة الأمور لنصابها في المحطات الفضائية الرياضية ، بعد أن وصلت الأمور داخلها لمرحلة الإسفاف المقزز، وتشابهت مع الصحف التي يطلق عليها "صفراء" ، وهل ينتظر الفقي أن تحدث مصيبة ليتدخل ووضع أسس مهنية وأخلاقية لعملها؟

أظن أن وزير الإعلام إذا شاهد بعض البرامج الرياضية على المحطات الفضائية ليوم واحد فقط ، سيصاب بأزمة قلبية "لا قدر الله" مما يشاهده ويسمعه من تراشق لا يوصف إلا بـ"قلة الذوق" ، ولانه ترك الحبل على الغارب للمحطات الخاصة ، فقد وصل الأمر إلى التليفزيون المصري الرسمي ، لدرجة أن البعض فسر ذلك بأنه أمر مقصود ومطلوب ، حتى أن الذوق المصري فسد ، وأصبح التراشق اللفظي والسباب من الأمور التي تعود عليه المشاهد المصري ولم تعد تلفت نظره.

ما يحدث في المحطات التليفزيونية يعد جريمة في حق الذوق العام ، وإعتداء على حق المواطن ، المعتدى على أغلب حقوقه في الفترة الأخيرة ، ولابد وأن يتحمل وزير الإعلام مسؤوليته أمام الجمهور المصري ، خاصة وأنه أصبح الحصن الأخير الذي يستجير به المشاهد بعدما تخلى أصحاب القنوات الفضائية الخاصة عن مسؤوليتهم وتركوا مشاهديهم فريسه لمقدمي برامج "جهله" لا يقدرون المكان والمكانة ، وإفتقدوا أبسط قواعد الذوق العام ولن أقول المهنية لأنهم أبعد ما يكونوا عن ذلك ، وأصبحت تصفية الحسابات الشخصية والدفاع عن مصالحهم الخاصة ، هى السمة الرئسية لمقدمي البرامج الرياضية.

فقد أقام البعض الدنيا ولم يقعدها على السقطة التي وقع فيها أحمد رفعت عضو مجلس إدارة نادي الزمالك ، مساء يوم الجمعة الماضي بحق حازم إمام مدافع فريق الزمالك ، ولكن لم يلفت نظر الغاضبين أن ما فعله رفعت ، لا يختلف كثيرا عما يفعله أغلب مقدمي البرامج الرياضية.

فجميعهم اتفقوا على خدش الحياء والذوق العام للشارع المصري "المتدين بطبعه" ولكن كل ذلك يمر مرور الكرام أمام وزير الإعلام ، وقد حان الوقت لكي يتخذ موقفا حاسما حيال ما يحدث على شاشات التليفزيون ، لأن الأمر لم يعد يحتمل أكثر من ذلك ، وأعلم أن أنس الفقي لا يرضيه ما يحدث في الفترة الأخيرة.

ما يحدث في المحطات التليفزيونية لا يوصف إلا بـ "الفساد" والمطالبة بتدخل وزير الإعلام لوقف هذا الفساد لا يعتبر نوعا من تكميم الأفواه ، أو الإستقواء بالدولة وهيبتها كما قد يتصور البعض ، ولكن تدخله يعتبر نوعا من إعادة الأمور لنصابها بعد أن تدهور الحال بشكل لا يمكن السكوت عليه ، فهل يفعلها أنس الفقي؟!

- البيان الأخير الذي أصدره الإتحاد الأفريقي لكرة القدم "الكاف" بنفي عقوبة الحكم الغاني جوزيف لامبتي ، الذي أدار لقاء إياب نصف نهائي بطولة دوري أبطال أفريقيا بين الترجي والأهلي بتونس ، يؤكد أن هناك كاذبون ، بعد أن أطلقت وسائل الإعلام المصرية تصريحات على لسان بعض المسؤولين بأن عيسى حياتو سيعاقب لامبتي سواء بالإيقاف أو الشطب كما نشرت وسائل الإعلام ، والكاذبون هنا إما هؤلاء المسؤولين الذين أطلقت التصريحات على لسانهم أو وسائل الإعلام التي نشرت هذه الأنباء ، وهذا هو التطور الطبيعي للفساد!

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات