الاختيار أثبت نظرية أخرى غير المتعارف عليها في كرة القدم المصرية وهى أن الإحتراف في معناه الحقيقي أن يربي النادي لاعبيه وليس شرائهم فقط، كما تسير أغلب الأندية المصرية منذ عدة سنوات، وهو درس جديد يجب أن تتعلمه أنديتنا خاصة الكبيرة منها.
عاشت الأندية المصرية سواء الأهلي أو الزمالك وغيرها من الأندية على سياسة شراء اللاعبين دون الإهتمام بقطاعات الناشئين التي تصرف عليها الملايين كل عام، حتى أصبحت قطاعات الناشئين في تلك الأندية مجرد "ديكور" لزوم الوجاهة الرياضية أو لتكون مخزنا تضع فيه لاعبيها السابقين تحت مسمى "مدربين" والمحصلة في النهاية "لا شيء".
خلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، سيطر على وسائل الإعلام أنباء بحث النادي الأهلي عن مهاجم أفريقي لدعم خط هجوم الفريق قبل خوض بطولة دوري أبطال أفريقيا، ولا يمر يوما إلا مع ظهور أسماء جديدة مرشحة لشغل هذا المركز.
وسمعنا عن بحث الزمالك عن حارس مرمى بجوار عبد الواحد السيد ، بالإضافة إلى لاعب مدافع لدعم خط الدفاع قبل إنطلاق بطولة أفريقيا للأندية ، وأبدى حسام حسن المدير الفني لفريق الزمالك غضبه بسبب تأخر إدارة النادي في إتمام التعاقدات الجديدة التي يحتاجها، وهو ما ينم عن تقصير واضح في هذين الناديين الكبيرين.
حتى كتابة هذه السطور لم يتوصل الأهلي لمهاجم سوبر، كما لم ينجح الزمالك في التعاقد مع حارس مرمى، مما يؤكد أن قطاعات الناشئين في قطبي الكرة المصرية مجرد "ديكور" لا أكثر ، فإذا كان الأهلي لا يستطيع تخريج مهاجم من قطاع الناشئين طوال السنوات الماضية بخلاف عماد متعب ، وإذا كان قطاع الناشئين في الزمالك لم يؤهل حارسا للمرمى فماذا يفعل مدربي القطاع في الناديين؟ ولماذا يصرف الناديين على هذين القطاعين كل هذه الملايين؟
منذ أن عرف الإحتراف طريقه للكرة المصرية رفعت الأندية شعار "شراء (اللاعب) ولا تربيته" وشاهدنا جميعا كيف وصلت أسعار اللاعبين لأرقام فلكية غير مبررة، وهذا راجع إلى سياسة الشراء، بعد أن أهملت الأندية ناشئيها وإهتمت بالشراء الذي فيه مأرب أخرى أقلها "السمسرة" ورقصت الأندية على السلم "فلا اللى فوق شوفهم ولا اللى تحت سمعوهم" فلا هى أوقفت قطاع الناشئين وهى هي إستفادت من الصرف عليها.
برشلونة يقدم نموذجا محترما لأندية العالم بفريقها الحالي الذي أبهر العالم، والذي إعتمد فيه على قطاع الناشئين فيه، لدرجة أن الفريق الكبير الذي يقدم كرة قدم غير مسبوقة من خريجي قطاع الناشئين المعروف بإسم "لا ماسيا" بإستثناءات ضعيفة للغاية.
بل أن مديره الفني جوسيب جوارديولا هو أحد خريجي الـ "لا ماسيا" التي تعتبر نموذجا يستحق الدراسة من أنديتنا الكبيرة التي تمتلك مقومات النجاح، واثبت برشلونة أن العالمية في معناها الحقيقي هو نوعا من الإغراق في المحلية والإعتماد على أبنائه دون الإعتماد كليا على الشراء كما نفعل نحن.
لاشك أن طريقة أداء برشلونة تبهر العالم ، فهو أكثر فريق في العالم يتناقل الكرة بين لاعبيه قبل الهجوم ، وفريق لا يكل ولا يمل من تمرير الكرة بين لاعبيه في مرحلة التحضير للهجوم ، والتي أصبحت "ماركة مسجلة" للجميع.
وقد يتصور البعض أن هذه الطريقة من إختراع جوارديولا ولكن من عرف الـ " لا ماسيا " التي تأتي باللاعبين وهم في سن صغيرة للغاية، يدرك أن اللاعبين يتدربون على هذا الأسلوب في سن صغيرة لأنه من الصعب اتقانها مع التقدم في العمر، كما أن تربية اللاعبين سويا منذ الصغر أوضح مدى الإنسجام الواضح في طريقة أداء برشلونة.
على عكس برشلونة تعمل الأندية المصرية - نحن هنا لسنا في مجال للمقارنة - فهذه الأندية "فاهمه غلط" وتعمل بمنطق أن الإحتراف يعني الشراء، رغم أن النظرية ثبت فشلها ، ونادي الزمالك لم يقف على قدميه إلا بعد أن إعتمد على أبنائه من قطاع الناشئين فأخرج عمر جابر ومحمد إبراهيم وحازم إمام.
ولكن الزمالك لم يلجأ لذلك إلا بسبب الأزمة المالية التي فرضت عليه عدم شراء لاعبين جدد (الثلاثي السابق عليه أن يشكر الظروف) كما أن النادي الإسماعيلي يقف في مصاف الأندية الكبيرة بإعتماده على ناشئيه وهو ما جعله قادرا على المنافسة أغلب الوقت، ورغم ذلك مازالت الأندية غير مقتنعه بالإعتماد على قطاعات ناشئيها، وهو أمر غريب ومريب ويحتاج لتفسير، فهل ستعيد الأندية المصرية النظر مرة أخرى في أسلوب عملها؟
الصراخ الكبير الذي تملأ به الأندية الشعبية في مصر الوسط الرياضي وكيف أنها في طريقها للإنقراض لصالح أندية الشركات والهيئات بسبب الأزمات المالية التي تعيشها ليل نهار، لدرجة أن بعض الإعلاميين يطالبون بالبحث عن حل لهذه الأزمة التي تهدد شعبية كرة القدم في مصر.
تناسى الجميع أن مسؤولي هذه الأندية هم من يتحملون مسؤولية ما يعانوه بعد أن جروا وراء سياسة شراء اللاعبين، رغم أنهم يمتلكون مالا تملكه أندية الشركات، وهى الشعبية الجاذبة والتي تمنحهم أفضلية ضم الناشئين الصغار وتربيتهم، ورغم ذلك لم يفكروا في ذلك وفضلوا الشراء بأسعار مبالغ فيها.
على الهامش
* نال المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو جائزة لقب أفضل مدرب في العالم لعام 2010 ، بعد منافسة قوية مع الإسبانيين ديل بوسكي وجوارديولا في جائزة الفيفا المشتركة مع مجلة فرانس فوتبول الفرنسية، وهو يستحق ذلك بفضل نجاحاته الكبيرة مع فريق إنتر ميلان الإيطالي العام الماضي وشخصيته المسيطرة والمحبوبة من لاعبيه .
قدم منافسو مورينيو نموذجا محترما في رد الفعل، فقال فيسنتي ديل بوسكي الفائز ببطولة كأس العالم مع إسبانيا لأول مرة في تاريخها "لست محبطا من الخسارة، فما صنعه مورينيو في 2010 يستحق عليه التقدير والإشادة" وقال جوسيب جوارديولا: "في الوقت الحالي ربما هو الأفضل في العالم، تاريخه الكروي رائع، بالنظر إلى أنه نجح في كل دولة زارها " .. ترى ماذا كان سيقول مدربونا لو كانوا في موقف ديل بوسكي وجوارديولا؟!
--