كتب : أحمد سعيد | الأربعاء، 09 فبراير 2011 - 22:14

"الأبوة" بين المعلم والرئيس

اصطف الأغلبية العظمى من الرياضيين في خانة المؤيدين للرئيس حسني مبارك، وهو تأييد ليس مبنيا على موقف سياسي أو نفاقا للنظام بقدر ما هو وفاء لفكرة "الأبوة" التي يراها هؤلاء صالحة لتسيير شؤون بلد بقدر صلاحيتها لرعاية أسرة.

فالقاسم المشترك في حديثهم أن الرئيس هو "الأب" ومن غير المقبول المطالبة برحيله الفوري بما يشكل في وجة نظرهم "إهانة" له. هذا الخطاب تبناه حسن شحاتة الذي قاد تظاهرات مؤيدة لمبارك، وردده التوأم حسن، وهاني رمزي، وعدد من لاعبي الكرة أولهم ميدو وأخرهم محمد سمير مدافع الأهلي الشاب.

ونظرية الأبوة هذه تحمل في طياتها قدرا لا بأس به من بذور عدم الاحترافية في إدارة معظم مناحي الحياة في مصر ومن ضمنها – إذا لم يكن أولها – الرياضة.

"المعلم" يرى نفسه وينظر له لاعبوه باعتباره أبو الكرة المصرية كونه المدير الفني للمنتخب الذي يمثل حلما للجميع والمكان الوحيد الذي تذوب فيه الخلافات ويجتمع فيه الفرقاء. وهو يمارس هذه الأبوة في عمله بشكل مستمر.

أقرب اللاعبين إليه هم "أبناءه" في منتخب الشباب عمرو زكي وعماد متعب وحسني عبد ربه وأخرين، وهم دائما متواجدين بجواره يعتبرهم من جنوده المخلصين ولا يتخلى عنهم مهما كان أدائهم سيئا، على الرغم من أن لعبهم لمنتخب مصر هو نوع من "العمل العام" إن جاز التعبير.

هؤلاء لا ينتقدونه إذا رغب هو في "قرص أذن" أحدهم لإعادته إلى المسار الصحيح، بل يكون الرد الأول هو أن "كابتن حسن زي أبويا وماقدرش ازعله أبدا" .. ما لا ينطبق على لاعب مثل ميدو لم يحترم صفة الأبوة هذه في شحاتة واعترض عليه بصورة غير لائقة أمام الملايين، وهو ما لايزال يدفع ثمنه إلى الآن.

الأمر نفسه ينطبق على حسام وإبراهيم حسن، فهما يعتبران صفعة أحمد رفعت على وجه حازم إمام أمرا مقبولا لأنه "مثل والده"، ويريا طلب أحمد جعفر الرحيل نوعا من "نكران الجميل"، ويصفان الخلافات مع شيكابالا بأنها "أسرية" ولا يجب على الإعلام التدخل فيها.

حتى أسلوب اختيار كابتن أي فريق رياضي مصري يعتمد على الأقدمية والخبرة وليس بالضرورة على القدرة والكفاءة. فمن يحمل شارة القيادة هو إما أكبر اللاعبين سنا أو أقدمهم في الفريق، بما يعني أنه "الأخ الأكبر" الذي يستطيع أن يكون حلقة الوصل مع المدرب في أي طلبات يرفعها أعضاء الفريق، وله القدرة أيضا على متابعة تنفيذ تعليمات الأب لأشقائه الصغار.

وبالعودة للمشهد السياسي، فإن الرياضيين ينظرون لمبارك باعتباره أبا حصلوا جميعا في عهده على امتيازات كثيرة ومساندة غير محدودة، وبالتالي فإن لديهم الأن قناعة بأن عليهم رد الجميل له.

فمبارك هو من يستقبل المنتخب ويكرم مديره الفني ويتناول الطعام مع لاعبيه عقب كل لقب إفريقي، بل انه كان في تدريب المنتخب للقاء السنغال في نصف نهائي كأس الأمم الإفريقية 2006 بعد أيام قليلة من وقوع كارثة العبارة التي راح ضحيتها المئات وأدمت قلوب الجميع.

الرئيس أيضا من كان اتصاله الهاتفي بشحاتة دافعا للاستمرار عقب الفشل في التأهل لكأس العالم، وهو الذي سمح لحسام حسن بالصعود إلى أعلى المنصة أمامه ووضع قبلة على جبينه ثم رفع كأس الأمم في القاهرة قبل خمس سنوات.

وربما تكون الطيبة الشديدة هي ما يجعل نجوم الكرة المصرية لا يدركون أن النظام استفاد منهم كثيرا في التقرب لملايين المصريين المجانين بكرة القدم، والحصول على شعبية كان في حاجة شديدة إليها من خلال الظهور مع نجوم الرياضة ومساندتهم وادعاء دور غير موجود حقيقة في انتصاراتهم المتتالية.

وربما يدركون هذه الحقيقة ولا يأبهون بها، كونهم أيضا حصلوا على آلاف الساعات التليفزيونية وملايين الأسطر الصحفية ومكانة اجتماعية وأحيانا سياسية من خلال الاقتراب من النظام، جعلت كثيرا منهم يفكرون جديا في الانضمام إلى مجلس الشعب.

ويتعامل المعلم مع ثورة الشعب على الرئيس ومطالبته بالرحيل الفوري وكأنها احتجاجات في مدرجات الاستاد من جماهير غير واعية.

وبما أنه يعتبر أن سخط الجمهور على مدرب والهتاف ضده بسبب سوء النتائج نوعا من "نكران الجميل" وتجاهل للوقت والجهد الذي وضعه في تطوير الفريق، فإنه يشدد على أن طلب تنحي الرئيس - حتى وإن جاء من ملايين بسبب فساد سياسي واجتماعي واقتصادي فاق التصورات – نكرانا للجميل أيضا.

الإشكالية الآن هي أن هؤلاء غير قابلين للإقناع بأن الكفاءة والعدل هما معياري اختيار الحاكم، وأن "فتح بيت" يختلف عن إدارة دولة، وأن أحدا لا يختار والده ولكنه يختار رئيسه من خلال صندوق انتخابي، غالبا هم لم يروه نزيها في حياتهم.

لن يقتنعوا لأسباب كثيرة على رأسها أن هذه القيم يحاول فرضها الآن من هم في سن أبناءهم وربما أحفادهم، وبالتالي فهم يروهم لا يمتلكون الخبرة أو الفهم الصحيح في الحياة، وكل ما يجيدونه هو الهتاف في المدرجات وإهدار ساعات على Facebook وهو موضوع طويل لنا فيه وقفة أخرى.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات