أحمد سعيد

كيف ستطهرنا الثورة من التعصب الكروي؟

لم يولد المصريون متعصبين للكرة ومستعدون لقتل بعضهم بعضا بسببب نتائجها، ولكن حياتهم لم تحمل قضية يلتفون حولها. ومع ما وفرته الثورة من واقع جديد، فإنها تلقائيا ستطهرنا من دنس التعصب.
الإثنين، 14 فبراير 2011 - 19:05
آلاف الشباب كان حزبهم الأساسي إما الأهلي أو الزمالك. الفساد أضرم نيرانه في كل مناحي الحياة بمصر فلم يظل أمر نزيه وديمقراطي في مصر سوى كرة القدم.

اللعبة بأكملها تجري أمام عينيك، أصحاب الأداء الطيب يتلقون التشجيع والتأييد، وأصحاب الأداء الردئ يحصلون على صافرات الاعتراض وهتافات التنحي، أما "التفويت" يتم كشفه أسرع من فساد أي قطاع أخر.

صوت الجماهير أعلى من من سطوة السلطة، فهم يستطيعون حماية مدرب من الإقالة أو الإطاحة بأخر مسنود، يتمكنون من إجبار لاعب على الرحيل، أو إقناعه بالاستمرار في معسكرهم.

وعلى الرغم من أن الحقائق السابقة سهلة الرصد، فإن المتابعين من حكماء الأمة لم يدركوها في الأغلب. وظلت الاتهامات تنهمر على شباب المصريين بالسطحية والجهل وعدم الجدية في ممارسة نشاط سياسي، أو عمل تطوعي، أو مشروع اقتصادي.

وبما أن الحزبين الكبيرين وأحزاب أخرى أصغر حجما يوفرون مجالا للتضامن الشعبي حول هدف واحد ودفاعا عن مصالح مشتركة، تحولت كرة القدم من وسيلة ترفيه إلى مشروع حياة، فأصبح "اللي مالوش فيها" مشجعا، وبات المشجع العادي متعصبا، وتطور المتعصب إلى عنيف.

ثورة 25 يناير أعادت كل شئ إلى حجمه الطبيعي، وبالتالي ستطهرنا من دنس التعصب. وفي المستقبل القريب ستلحظون أثار هذا التطهر كالآتي:

• تراجع أهمية حسابات فارق النقاط على قمة الدوري بعد إقامة المؤجلات، لصالح حساب نسبة ما حققه الاقتصاد المصري من نمو بعد إقامة المشروعات المعطلة.

• عدم الاستغراق في دراسة لوائح لجنة المسابقات لمعرفة ما إذا كان شيكابالا سيتم إيقافه مباراة واحدة أم أربعة، لصالح الاستغراق في دراسة الدستور للتصويت على ما إذا كان الرئيس سيحكم 4 سنوات أم خمسة.

• لن تتوقف كثيرا لتحاسب المدير الفني لفريقك على عدم الالتزام بتعهداته بالفوز بالدوري، ولكنك ستحاسب الحزب الذي انتخبت نوابه في البرلمان إذا لم ينفذ تعهدات النهوض بالصحة والتعليم.

• ستتحول برامجك التليفزيونية المفضلة من الرياضة اليوم، والكرة مع شوبير، ومساء الأنوار إلى العاشرة مساء، و90 دقيقة، والقاهرة اليوم ... كما أنك ستجد مقاطع لمنى الشاذلي ومعتز الشاذلي في صفحة Home على Facebook أكثر من مدحت شلبي وخالد الغندور.

• لن يتم تأجيل إلقاء بيان الحكومة على مجلس الشعب بسبب تزامنه مع مباراة الأهلي والزمالك، وإنما سيتأجل لقاء القمة من أجل الاستماع إلى البيان، وما يليه من تعقيب من نواب المعارضة.

• ستتوارى التحليلات المفصلة لأخطاء ياسر عبد الرؤوف وسمير عثمان ومحمود عاشور في اتخاذ قرارات بطرد لاعب أو إلغاء هدف، لتظهر تحليلات خبراء الاقتصاد في قرارات الوزراء بطرد استثمارات أو إلغاء قوانين.

• سنظل نستمتع بتحليلات أحمد عز الدين على FilGoal.com لخطط حسام حسن ومانويل جوزيه، ولكن ربما نستمتع أكثر بتحليلات دكتور عمرو الشوبكي لـ"تحركات" الأحزاب، ودكتور أحمد زويل عن "إجراء التغييرات الصحيحة" في التعليم، ودكتور محمد غنيم عن "تطوير الأداء" في القطاع الطبي.

• وبمناسبة FilGoal.com، ربما أيضا يتحول جزء لا بأس به من زوار الموقع الدائمين إلى تصفح الموقع الإخباري الشقيق "موجز" لمطالعة أخر التطورات ... وإن أتمنى عودتهم بعد أن يفعلوا!

• لن يجرؤ مسؤولو الأندية الشعبية على مواصلة حملات جمع الأموال من المشجعين لشراء لاعبين، لأن حملات أكثر تأثيرا للتطوع بالجهد والمال لمشروعات قومية هامة ستجتذب السواد الأعظم من المصريين.

• يترتب على النقطة السابقة أيضا تراجع الأسعار المجنونة للاعبين مع صرامة تطبيق الرقابة المحاسبية على قطاعات البترول، والشركات الراعية، ورجال الأعمال الداعمين، ومؤسسة الأهرام التي يتم تمويلها بالكامل من ميزانية الدولة التي هي أموال دافعي الضرائب.

• أول ما تحقق مما سبق هو تحول أهل الإسماعيلية من التظاهر لمنع رحيل "حسني" عبد ربه إلى التظاهر لإجبار "حسني" أخر على الرحيل أيضا!

كرة القدم لن تختفي من المشهد المصري، ولكنها ستعود لحالتها الطبيعية في أي مجمتع متحضر كوسيلة للترفيه. حينها سيندم العنيف، ويتعقل المتعصب، ويستمتع المشجع العادي، ويعود "اللي مالوش فيها" للبحث عن أمر أخر يشغل به وقته.