وليد الحسيني

المتلونون وطعم المعارضة!

في أعقاب ثورة الغضب التي إجتاحت مصر منذ 25 يناير الماضي ، وأطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك ، والاصوات تتعالى يوميا للمطالبة بالخلاص من كل رموز النظام السابق.<br>
الخميس، 17 مارس 2011 - 14:19
في أعقاب ثورة الغضب التي إجتاحت مصر منذ 25 يناير الماضي ، وأطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك ، والاصوات تتعالى يوميا للمطالبة بالخلاص من كل رموز النظام السابق.

يتم تبادل الإتهامات بين أغلب التيارات على الساحة المصرية ، ولكن ظهرت أصوات عاقلة في المنتصف تطالب بعدم الإلتفات بما يسمى بتصفية الحسابات القديمة والتركيز على ضرورة بناء مصر من جديد ، بعد سنوات طويلة عاشتها تعاني من النهب والسرقة.

ما لفت النظر في الأونة الأخيرة هو أن البعض حاول ركوب موجة الثورة ومحاولة الإنتماء إليها ، رغم أن هؤلاء لم يكن لهم دور وجلسوا أمام شاشات التليفزيون يتابعون الثوار في ميدان التحرير ، وهذا قد يكون أمرا مقبولا.

ولكن غير المقبول أن يحاول هؤلاء ركوب الموجه ، خاصة وأن أغلبهم من " المفضوحين " والمعروفين بإنتماءاتهم وهويتهم ، كما أن أغلب هؤلاء من الذين لا يستطيعون الحياة بعيدا عن النظام ، ولم يجربوا يوما واحدا أن يكونوا في صفوف المعارضة ، فإذا رحل نظام مبارك قفزوا سريعا من المركب وحاولوا ركوب مركب النظام الجديد ، وهو أمر يثير للإشمئزاز.

التقرب من النظام أي كان نوعه هو نوع من حب الحياة، ورواده لا يتورعون عن نفاق أي نظام من اجل الحياة، وهم بذلك يفقدون إحترام الجميع، حتى ولو تخيلوا أنهم بذلك يحافظون على "أكل عيشهم" لأن أكل العيش يكون مرا بطعم العلقم إذا كان بلا كرامة.

وإذا كان البعض قد تلون في محاولة للحصول على رضا الرأي العام، فأنهم غافلون ويفترضوا في الناس الغباء، وكان الأكرم لهم أن يتمسكوا بمواقفهم وأرائهم السابقة ، بدلا من التلون والتغير مع كل نظام.

ويحسب لشخص مثل مرتضى منصور أنه مازال متمسكا بموقفه السابق ، حتى لو إختلفنا معه في الرأي ولكن يحسب له أنه مازال عند موقفه السابق ، واشرف ممن يحاولون التلون وركوب الموجه وما أكثرهم في المجتمع المصري بصفة عامة أو الرياضي بصفة خاصة.

خرج علينا مقدم البرامج في إحدى القنوات الرياضية المتخصصة مدحت شلبي ، مساء يوم الخميس الماضي ، مطالبا بعدم إنتقاد المدير الفني لمنتخب مصر حسن شحاتة ، لمجرد نزوله في مظاهرات مؤيدة للرئيس السابق حسني مبارك لأنه كانت يربط بعلاقات طيبة مع الرئيس بسبب تكريمه للمنتخب بعد كل بطولة يفوز بها المنتخب، وشلبي محق في ذلك لأنه ذلك دليل على الديمقراطية.

ولكن غير المقبول من شلبي أن ينادي هو بالذات عن ضرورة تغيير القيادات الصحفية والإعلامية التي كانت تؤيد النظام السابق سريعاً ، وقال "أصبحنا لا نصدق المتلونين من رجال الإعلام الذين كانوا يناهضون الثورة بشدة في بدايتها وفجأة وجدناهم معها بعد تنحي الرئيس" ، وكان الأولى بشلبي أن يوجه الكلام لنفسه أولا قبل مطالبة الأخرين بذلك، لاسيما وأن "اليوتيوب" ملييء بصوت شلبي يمجد مبارك ونظامه في وقت سابق.

أمثال هذا المذيع لا يتورعون عن التقرب لصاحب الكرسي حتى ولو كان صاحب قناة بعمل بها ، بصرف النظر عن رأي المجتمع فيه ، وتناسى أنه كان من أوائل من يهللون للرئيس السابق ونظامه وأبنائه علاء وجمال في الوقت الذي كان الجميع يئن من الظلم والقهر.

ولكنه لم يكن يشعر بالناس ، وكان كل همه هو أرضاء السلطة معتقدا أن الناس تنسى، وهو قاريء غير جيد للشعب المصري ، والفترة المقبلة ستشهد غياب أغلب نجوم المجتمع في النظام السابق ، لأن لكل نظام نجومه ورجاله ، فشلبي وغيره كانوا نجوم الزمن السابق والنظام الراحل ، وهو ما ينم عن حجم هذا النظام إذا كانوا هؤلاء هم نجومه .

الفروسية ليست في أن تخرج للناس بعد سقوط النظام للحديث عن مساوئه وظلمه وقهره ، وكيف كان ينكل بالناس ويهينهم و"يمرمط بكرامتهم الأرض" رغم أن هؤلاء أرتضوا على أنفسهم ذلك ولم يفتح أحد "بقه" وقتها وإرتضى ان يبتلع طعم المرارة والإنكسار والمذلة، رغم أنهم كانوا يسبحون بحمد النظام السابق بكل أطرافه وطوائفه أثناء وجوده.

الخروج الأن للتتحدث عن كيفية قهر النظام السابق للجميع ، فهذا يحسب على الشخص وليس له ، وأن يخرج أحد علينا الأن ليتحدث عن كيف أنه عاني من ظلم وقهر النظام السابق فهذا غير مقبول ويفقد من يقول ذلك البقية الباقية له من إحترام، لأن الشخص المحترم هو من لا يقبل على نفسه الإهانة حتى لو كان أخر يوم في عمره، وليس خشية إبعاده عن عمله أو إيقاف برنامجه.

إذا كنا نرفض تصنيف الناس بناء على مواقفهم السابقة ، ولكن لا نرضى في نفس الوقت أن يحاول هؤلاء القفز على ما حدث في مصر ، وعليهم أن يحترموا عقلية المجتمع وذكائه ولا يحاولون تغيبر جلودهم لأن ذلك لن يجدي، ولن تنسى الجماهير مواقفهم السابقة ، وأرائهم ومعتقداتهم ، ومثل هؤلاء سيسعون لركوب موجة أي نظام.

فلو تولى الليبراليون السلطة في مصر ، فسنجدهم يتغنون بالليبرالية ومنافعها ، وإذا "ركب" الإخوان فسيضرب هؤلاء " الدقن التمام " والجلباب القصير ويمسكوا بالسبحة في أيديهم ليل نهار حتى ولو لم يسبحوا بها، رغم أن للمعارضة مذاقا طيبا وليس مرا طوال الوقت ، وعليهم أن يجربوا الوقوف ولو ليوم واحد في صفوفها ، فقد تتغير وجهة نظرهم ، بدلا من طرق الأبواب المغلقة.