بدون صراخ وانفعال فإن مسئولية اقتحام الجمهور للملعب ودخول مشجعين يحملون عصي وأسلحة بيضاء أرض ستاد القاهرة من أول بوابة هو مسئولية رجال الشرطة، وهذه حقيقة مؤسفة مهما ردد البعض نظرية “القلة المندسة والراغبين في تدمير النشاط الكروي ومستقبل الزمالك” إلخ.
وما تلقيناه من معلومات حتى الآن تقول أن جهاز الشرطة لم يستطع القيام بواجبه كاملا بتفتيش الجمهور او منع بعض المسلحين من الدخول نظرا لتغير أسلوب تأمين المباريات بعد الثورة، وهذا يرجع إلى حالة الرفض لأفراد الأمن نتيجة ممارستهم القمعية قبل الثورة وبعدما كانت الشرطة تمثل اليد الباطشة صارت “الحيطة المايلة” وصار تدخلها مرفوضا، هذا بخلاف اتهام البعض للأمن بالسماح بدخول بعض الأشخاص بهدف إفساد المباراة وهو اتهم غير مؤكد على الإطلاق حتى الآن.
وبصراحة شديدة تابعت تصريحات ضباط كبار وصغار عقب الثورة وكان البعض يبرر انتشار البلطجة بمقولة “انتم مش عاوزين حقوق انسان؟ اتفضلوا بقى، منقدرش نفتش حد!”، وهذه المقولة لا تعني مطلقا أن الشرطة تتآمر على الشعب لكنها تعكس غياب لإدراكها لدورها وتعكس أيضا رغبة انتقامية تسود المجتمع من الشرطة.
يعني باختصار المعادلة صارت كالتالي : إما أن يتم انتهاك الحريات الشخصية وحقوق الانسان ويتم إهانة المواطن، أو يغيب الأمن وحفظ النظام تماما ويتحول المجتمع إلى غابة، وكأن المجتمع لا يستقيم إلا إذا ضربت الشرطة المواطنين أو ضرب المواطنون الشرطة !
هذه المعادلة كان يجب أن تكون على رأس أولويات حكومتي أحمد شفيق وعصام شرف لأنه حتى الآن لم يخرج علينا مسئول ليوضح لنا كيف يجب أن تكون علاقة المواطن برجل الشرطة، وقبل الدخول في مهاترات التعديلات الدستورية كان من الواجب أن يخرج المسئولون للبسطاء لشرح ما هي حقوق رجل الشرطة وواجباته وما هي حقوق المواطن وواجباته.
مثلا في حال الدخول إلى مكان مزدحم يحتاج للتأمين مثل ملعب كرة أو دار أوبرا أو تجمع سياسي، من حق ضابط الشرطة أن يفتشك ومن حقه أن يسألك باحترام وأدب وإذا رفضت التعاون فمن حقه يمنعك من دخول المكان، ومن حقك كمواطن أن يتم توفير أكبر عدد من البوابات الإلكترونية حتى يتم مرورك بسهولة ويسر وأن تتعاون أنت مع الضباط تماما كما يحدث في أي مطار في العالم لأن عملية التفتيش هي التي تحميك من تواجدك في مكان واحد مع بلطجية أو إرهابيين.
كان من الواجب أن يخرج علينا مسئول ليشرح لنا كيف تم التنكيل برجال الشرطة الشرفاء في عهد حبيب العادلي وكيف ينال المخطئ منهم عقابه حتى يتأكد من في الشارع او من يذهب إلى الاستاد أن من يفتشه ليس ممن قتلوا الثوار.
الموضوع أشبه بعملية علاج نفسي لطرفين ليشعر المواطن أن كرامته عادت إليه وحتى لا يشعر رجل الشرطة أنه ملاحق بالعار ومسلوب الحقوق.
للأسف الشديد بالعودة إلى ستاد القاهرة، ومع غياب عملية التأهيل التي ذكرناها لم تحدث عمليات تفتيش وبالطبع اختفت قوات الأمن المركزي التي عرف عنها طوال السنوات الستين السابقة أنها رمز البطش والإيذاء، وقام بعض السذج بالترويج لفكرة أن المصريين شعب واعي ومثقف وأعظم وأحلى شعب، وهذا كلام خاطئ تماما وأحد الأفكار السائدة رغم خطأها، وذلك لأنه ببساطة سلوكيات التحرير العظيمة لا يمكن أن تتوافر في شعب بأكمله إلا إذا كان شعب من الأنبياء .. ومن كانوا في التحرير هم أشخاص كان لديهم استعداد للموت دفاعا عن حرية وطن، وهذه شيمة دعونا نتفق أنها لا تتوافر في الجميع وليس مطلوبا أن يتسم بها الجميع.
ومن المنطقي أن الشعب المصري مثل اي شعب في العالم فيه الشرفاء أغلبية لكن فيه أيضا نسبة من الفوضويين والبلطجية الواجب ردعهم بإجراءات عملية.، ومن هنا حدث الفراغ الأمني في تأمين المباراة الذي أسفر عن هذه الكارثة، ومن الممكن أن يتكرر السيناريو في أي حدث كبير، وعلى رأس هذه الأحداث الانتخابات البرلمانية التي تشهد دائما قتالا قبليا بين العائلات وستكون هنا خسارة مصر أكبر من مباراة كرة قدم.
عزيزي دكتور عصام شرف .. نرجو ألا تعتبر الموضوع مجرد شغب كروي لأن الأزمة أكبر من الزمالك ومن كرة القدم .. الأزمة في جهاز أمني فاقد الثقة في نفسه وثقة الناس فيه ويحتاج لحوار مع الناس.
والسؤال هنا كيف يتم تأمين اللقاءات الرياضية؟
من واقع حضوري لفعاليات رياضية في الولايات المتحدة، أؤكد لكم مجموعة ثوابت، أولا : أن التأمين لا ينطوي على انتهاك حقوق انسان مطلقا، بل أن رجال الأمن تتكون أغلبيتهم من رجال أمن النادي وهم موظفون مدربون ومتخصصون في عملية التأمين ويعرفون الجماهير ويقومون بالترحيب بالمشجعين بأدب جم باعتبار ان من دفع ثمن التذكرة يدعم النادي ويحملون أجهزة لاسلكي للتنسيق مع بعضهم البعض وتوفير دعم في حال حدوث فوضى، ويضاف إليهم نسبة أقل من رجال الشرطة العادية، ويكون انتشار الشرطة العادية خارج الملعب أكثر ويقلون مقابل تواجد أمن النادي في المناطق القريبة من الملعب.
ثانيا : الدخول يتم من بوابات إلكترونية للكشف عن المعادن والأسلحة والموضوع شديد الأهمية ليس لمواجهة الشغب ولكن ببساطة دعونا نتخيل أن هناك من يريد تدبير عمل إرهابي بتفجير قنبلة مثلا داخل الملعب، من يحمي الأبرياء سوى بوابة إلكترونية؟، ومن أجل تنظيم الحدث يتم فتح أبواب الملعب قبل أي لقاء بثلاث ساعات على الأقل وتوفير مداخل من جميع أرجاء الملعب في وقت واحد مما يقلل من طول طوابير التفتيش.
ثالثا : خلال سير اللقاء يقوم أفراد الأمن بملاحظة تصرفات الجماهير الفردية قبل أن تتحول إلى سلوك جماعي لأن السلوكيات العدوانية تنتشر كالعدوى، فما أن يبادر مشجع بالسب والتصرفات الهمجية يتم محاصرته وإخراجه من الملعب، وقبل المبارة يشترط النادي على المشجعين الانصياع لهذه التعليمات التي تكون مدونة على التذكرة وداخل الملعب ويطلب اللاعبون من الجماهير الالتزام .. وبالطبع ليس لديهم ظاهرة التوأم العجيب
رابعا : روابط المشجعين لا يتم التعرض لها وتستطيع التعبير عن نفسها بحرية وتشجيع فريقها بطرق مبتكرة بشرط التزام الآداب العامة والبعد عن العنصرية، وهم دائما الأسهل في التفاهم معهم بحكم علاقتهم بالنادي وبأمن النادي، وبالتالي فتصرفاتهم متفق عليها كما أنهم كأفراد معروفين للنادي أيضا وتؤدي هذه العلاقة إلى تحسين سلوك الجمهور ككل.
خامسا : كل ما سبق “كوم وسلوكيات الرياضيين كوم تاني”، أي لاعب أو مدرب يخرج عن السلوك الرياضي داخل الملعب حتى لو اعترض على التحكيم بصورة غير لائقة يتم طرده فورا ويتعرض لعقوبات مغلظة تشمل الإيقاف والخصومات المالية والفلسفة وراء ذلك تكمن في كون الرياضي قدوة.
ببساطة شديدة إذا أردنا تفادي تكرار كارثة ستاد القاهرة في أي موقع ينبغي أن نتفق كمجتمع مكون من مواطنين ورجال شرطة على حقوق وواجبات كل طرف ونتعاون سويا في ردع من يخالف الاتفاق من الطرفين .. “بس على الله الحكومة تفهم وتتوقف عن سياسة عفا الله عما سلف وسياسة الشعب المصري شعب أصيل ومؤدب وابن حلال” وإلخ.
ملاحظات سريعة : خالص الاعتذار والآسف للشعب التونسي الشقيق عن ما حدث في الملعب والذي لا ينفصل للأسف عن حالة عدم التوازن التي تمر بالبلدين والتي أوضحتها في المقال، وأؤكد أنه لا يوجد مصري عاقل يرضيه ما حدث فنرجو قبول الاعتذار، وسأتناول أسباب سوء العلاقة بين الجماهير الرياضية العربية في مقال مقبل.
هل يمكن أن تمر تصريحات التوأم حسام وإبراهيم منذ بداية الثورة وحتى هذه اللحظة بما فيها تبرير الفوضى في الملعب بركلة جزاء وهدف ملغى مرور الكرام؟ ألا يشعر فرد عاقل واحد في مصر أن لهجة التوأم تحريضية وانفلات أعصابه الدائم لا يتناسب مع أي عمل رياضي .. الإيقاف الطويل هو الحل إذا كان هناك أي مسئول عن الرياضة في مصر حاليا.
أشعر بمدى الانفصال الذي يعيشه الشعب المصري من واقعه كلما سخر البعض من شخص يرتدي “جلابية” حتى لو كان مجرما، لأن أغلبية المصريين في ريف الدلتا والصعيد يرتدون هذا الزي والذي أفخر بارتدائه في بعض المناسبات، وهذا الانفصال سيشعر به الجميع مع أي انتخابات ديموقراطية تحدث في مصر الكبيرة التي هي أكبر من القاهرة الكبرى وضواحيها.
تابعوني على تويتر :
أو على فيسبوك :