أخفق السير العظيم في قيادة مانشستر يونايتد أمام برشلونة، ولم يحسب قدر منافسه بالشكل المناسب، واندفع في مغامرة بحثا عن رغبة شخصية في إسقاط البلوجرانا وباستعراض هجومي.
ربما الفكرة الخططية التي تبناها فيرجسون في المباراة كانت مناسبة خلال فترة معينة من اللقاء، وربما كانت بحاجة إلى بعض التحسينات، لكن الأكيد أنها تسببت بعدم توازنها في خسارة مانشستر.
طبعا الفقرات الثلاث التي ذكرتها في الأعلى كلها تخص مانشستر وحده لأن من يواجه برشلونة يدفع ثمن أقل الأخطاء وأصغرها، والأخطاء الإنجليزية هذه المرة لم تكن بسيطة.
فيرجسون - أفضل مدير لفريق في العالم - ظن أن لاعبيه تعلموا من درس 2009 ولن يلعبوا بسذاجة أمام برشلونة، لكن ما خفي عليه أن خطته في المباراتين هي التي افتقدت للنضج المطلوب.
فكرة فيرجسون
ما أراد فيرجسون تطبيقه هو التحكم في إيقاع اللعب بدلا من محاولة خطف الكرة من برشلونة، بالإضافة إلى الضغط على البلوجرانا مبكرا من الأمام عن طريق واين روني وبارك جي سونج.
لعب فيرجسون بمايكل كاريك وحيدا كارتكاز أمام الدفاع، ووضع أمامه جيجز كون الويلزي المخضرم يجيد التمرير تحت الضغط ما يضمن لمانشستر حفظ الكرة من برشلونة.
واعتمد مانشستر على بارك وروني لضغط سيرخيو بوشكتس ودانيل ألفيش وهما أقل لاعبي برشلونة قدرة على حفظ الكرة تحت الضغط، ما نجح في الدقائق العشر الأولى بشكل كبير.
فمانشستر هيمن على اللعب لأنه كان يسترجع الكرة مبكرا من برشلونة ثم يعتمد على تمريرات جيجز المباشرة إلى روني المندفع من الخلف دون رقابة.
حيلة جوارديولا
جوارديولا في المقابل استخدم حيلة بسيطة جدا وهي وضع بيدرو رودريجز يسارا وديفيد بيا يمينا على عكس ما اعتاده الثنائي الذي يلعب حول ليونيل ميسي.
وباتريس إيفرا الظهير الأيسر لمانشستر يجيد التعامل مع اللاعب الذي يخرج للجناح، لكنه يجد صعوبة كبيرة في مواجهة من يدخل بكرته إلى العمق، خاصة وهو بلا دعم.
فبارك منشغل بالتحرك من العمق ويغطي عرض الملعب حتى أخر الجبهة اليسرى لوضع ضغط على برشلونة.
بيدرو في المقابل كان يجبر أنطونيو فالنسيا الجناح الأيمن لمانشستر على العودة معه للوراء، وبالتالي فقد فريق فيرجسون مساندة لاعب الوسط الإكوادوري في الهجمات.
هذه النقاط أجبرت بارك جي سونج على التحول إلى الجناح الأيسر والثبات فيه محاولة لدعم إيفرا، كما بدأ خافيير هرنانديز وواين روني يتبادلان الميل على الجانب الأيمن.
تحول بارك وروني أو هرنانديز للطرفين أفقد مانشستر ميزة الضغط على برشلونة في عمق الملعب مبكرا، فأصبح الفريق الكتالوني حرا في الخروج بهجماته وتحكم أخيرا في إيقاع اللعب.
والمشكلة أن مانشستر الذي أجاد التصرف بالكرة وهو يملكها، ظهر ضعيفا للغاية حين خسر التحكم في وسط الملعب، لأن خطة فيرجسون الدفاعية كانت مليئة بالثغرات.
ثغرات مانشستر
الثغرة الأولى تحدثت عنها في التحليل السابق، وهي ناتجة عن لعب فيرجسون بارتكاز وحيد هو مايكل كاريك.
أولا كاريك ليس من النوعية القادرة على تحمل مسؤولية فريق دفاعيا بمفرده، فهو أقرب إلى فئة لاعب الارتكاز الذي له رؤية هجومية طيبة مثل شابي ألونسو وأندريا بيرلو.
لكن كاريك ليس مثل مايكل إيسيين أو كلود ماكاليلي أو حتى بوشكتس ليدافع بعرض الملعب وحده أمام سحرة برشلونة.
وجيجز وبارك عودة أحدهما لم تكن مفيدة لأنه لا يجيد الرقابة الفردية ولا خطف الكرة من خصم يجيد التمرير تحت الضغط مثل شابي.
النتيجة أن المساحة الواقعة أمام دفاع مانشستر يونايتد كانت مرتعا للاعبي برشلونة حتى يحضرون هجماتهم من دون أي مضايقة إنجليزية تذكر.
الثغرة الثانية في مانشستر ظهرت بفضل أحد حيل جوارديولا التي اعتاد برشلونة تطبيقها بنجاح منذ بداية الموسم، وبطلها نجم التانجو ميسي الذي اقتربت ألاعيبه من الساحر هوديني.
لأن برشلونة يلعب دون رأس حربة، فأحيانا يشعر قلب الدفاع أن عليه الخروج لمواجهة ميسي مبكرا.
فقد نجح ميسي مرارا في إجبار مراقب على التحرك معه - مثل فيديتش في هذه الحالة - فسحب الصربي الدولي خارج تمركز فريقه الدفاعي.
وقتها كانت تظهر ثغرة في عمق دفاع مانشستر، فإما يمرر لاعبو برشلونة الكرة عليها مباشرة إلى أي نجم منهم مندفع من الخلف.
أو يجبر إيفرا على أن يضم نفسه لقلب الدفاع ليأخذ مكان فيديتش، فتتوجه تمريرات برشلونة إلى ديفيد بيا القابع في الجانب الأيمن لبرشلونة، ليتسلم الكرة من دون رقيب.
وركز جوارديولا في الشوط الأول تحديدا على الجانب الأيسر لمانشستر لاستغلال مشكلة إيفرا الدفاعية في المباراة، حتى حين كان بيا يتحرك في العمق كان بيدرو يخرج لليمين مكانه.
انهيار
برغم كل شيء حصل مانشستر على فرصة العودة للمباراة بهدف روني، لكن فيرجسون ظل غير قادر على حل مشكلته الشخصية: كيف يفوز على برشلونة من دون الظهور كأنه ضد الكرة الجميلة أو منافس يكتفي برد الفعل مثل السمعة التي تطارد جوزيه مورينيو؟
كان على فيرجسون تحويل روني للجانب الأيسر ودفع جون أوشيه في موقع فابيو، لأن الأيرلندي في الأصل قلب دفاع وقادر على إيقاف بيدرو بمساعدة أقل من التي يحتاجها البرازيلي اليافع.
وجود روني يسارا كان كفيلا أيضا بعودة بارك إلى الضغط على دفاع برشلونة لتقليص خطر البلوجرانا ومنازعتهم على السيطرة والتحكم في وسط الملعب بدلا من الاكتفاء بمشاهدتهم.
أو ربما كان على فيرجسون إدخال بول سكولز في موقع جيجز لأن الويلزي الرائع ظهر عجوزا على شغل دور حيوي كلاعب ارتكاز أمام أسرع فريق يتناقل الكرة في العالم.
أما سكولز فهو في الأصل ارتكاز ومن أبرز مميزاته الضغط على اللاعبين أصحاب القدرات العالية في حفظ الكرة مثل شابي أو إنيستا أو حتى ميسي.
كذلك كنت أرى لأندرسون دورا في المباراة، ربما على حساب كاريك أو بجواره حتى يصبح لمانشستر أنيابا أمام برشلونة في الوسط، لأن بارك وجيجز لم يكن لهما تأثير دفاعي إيجابي.
لكن فيرجسون ترك فريقه أمام خصم كان في أفضل حالاته البدنية، فظهر برشلونة في مباراة من طرف واحد وكأنه يلاعب ليفانتي في الليجا وليس مانشستر في نهائي دوري الأبطال.
أخيرا من الواجب القول إن الألقاب التي حققها جوارديولا ربما تقل أهمية عن المدرسة التي أدخلها برشلونة والتي تقدم كرة من وجهة نظري أجمل من مبتكرها يوان كرويف.