كتب : نصري عصمت | الخميس، 10 نوفمبر 2011 - 09:01
لماذا أحب الزمالك؟
وقبل أن تتصور يا صديقي أن الكلمات السابقة اعترافا بزملكاويتي أشهد وبصراحة شديدة أني لست زملكاويا، وأن انتمائي أولا وأخيرا لمهنتي، ولكن برغم من ذلك كله وكمحب للكرة المصرية أجد أسبابا وجيهة تدفعني للاحتفال بمئوية الزمالك، بل وتدفعك للاحتفال به حتى لو كنت أهلاويا.
زمالك إفريقيا
من أهم الإنجازات التي حققها الزمالك خلال 100 عام بطولاته الإفريقية، فالزمالك نجح خلال القرن العشرين في أن يكون النادي الأكثر فوزا ببطولة الأندية الإفريقية أبطال الدوري والتي تعد أكثر بطولات إفريقيا قيمة ومكانة على مستوى الأندية.
وخلال عقد التسعينات كان الزمالك ببطولاته الأربع (قبل الحصول على اللقب الخامس عام 2002) يشبه نادي ريال مدريد الإسباني في القارة الأوروبية، وصنع الفريق المصري الأبيض لنفسه هيبة خاصة للغاية أمام منافسيه الذين كثيرا ما اعتبروا فوزهم على الزمالك بمثابة الإنجاز الأكبر.
وسبق لي خلال مقابلات عديدة مع صحفيين أفارقة أن ذكروا لي كيف يشكل الزمالك مع غريمه التقليدي الأهلي حاجزا نفسيا كبيرا لكل أندية القارة، وكان النادي الأبيض خلال فترة الثمانينات والتسعينات بمثابة "بعبع" للمنافسين بصورة تفوق الأهلي الذي صنع سطوته على البطولة بمسماها الجديد دوري أبطال إفريقيا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وعلى المستوى الشخصي أذكر جيدا حقبة التسعينات، وكيف كنا نلتف جميعا أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة مباريات الأهلي والزمالك الإفريقية التي أسعدت المصريين جميعا، كان المصريون وقتها يتوقون لسيطرة الأهلي والزمالك عام 1993 على بطولتي إفريقيا لأبطال الدوري والكأس، لتعويض مشاعر الإحباط التي عرفها جيلنا بسقوط مروع لمنتخب مصر في كأس الأمم الإفريقية عام 1992، وخروج مهين من الدور الأول، ثم توديع تصفيات كأس العالم على يد زيمبابوي عام 1993، بعد ملابسات واقعة "الطوبة" الشهيرة.
وكانت منتخبات غرب إفريقيا في ذلك الوقت مثل كوت ديفوار ونيجيريا وغانا والكاميرون تطورت بصورة مذهلة بفضل احتراف لاعبيها في أوروبا، بينما أفاق المصريون من حلم التمثيل المشرف للكرة المصرية في مونديال 1990 في إيطاليا على واقع مرير يتمثل في عدم قدرتنا على مجاراة منتخبات غرب إفريقيا في المهارة أو اللياقة أو السرعة وربما الالتزام التكتيكي أيضا.
وللأسف الشديد كمصري يعشق منتخب بلاده والكرة المصرية بكل "بلاويها" أشعر بالأسف بعدما تحولت إنجازات الأهلي والزمالك الإفريقية إلى مادة للهجوم المتبادل بين جمهور الفريقين خصوصا بعد الجدل الذي أثير عقب اختيار الاتحاد الإفريقي (كاف) للأهلي نادي القرن في القارة السمراء، وتحول الأمر إلى فتنة وأمر شديد الحساسية لدرجة أنك ما أن تثير الأمر أمام الجمهورين حتى تتعرض للإدانة إما باللون الأبيض أو الأحمر.
ولكن الصورة الأكبر التي لا يراها بعض المتعصبين هي أن أي مصري يدخل إلى موقع الكاف أو إلى مواقع الرياضة العربية على الإنترنت سيشعر بالفخر الشديد عندما يكتشف أن الزمالك مثلا فاز بعدد من البطولات الإفريقية تساوي عدد ما فازت به أندية دول كروية ذات باع طويل في منافسات القارة، وهو أمر تستعين به كمصري أيا كان انتماءك الكروي للرد على شخص غير مصري "بيتنطط عليك" بسبب بطولة فاز بها فريقه أو مبارة فاز عليك فيها.
السمعة الدولية
خلال بداية عملي في الصحافة الرياضية كنت دوما ما أفخر بالتقارير التي ينشرها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن الكرة المصرية، وكان مبعث فخري أن كل أن تقارير موقع الفيفا تصف الأهلي والزمالك بـCairo Giants أي عمالقة القاهرة وهذا اللفظ ذاته هو ما كان الموقع يستخدمه للكتابة عن يوفنتوس وميلان الإيطاليين وبرشلونة وريال مدريد الإسبانيين وليفربول الإنجليزي وبايرن ميونيخ الألماني في قسم الأخبار الأوروبية، والسبب في ذلك الوصف يرجع لكون الأندية السابقة كلها ومعها عملاقي القاهرة هم أصحاب الرصيد الأكبر من البطولات القارية.
كما نشر موقع الفيفا العديد من التقارير حول الطبيعة الخاصة لـ"دربي" مدينة القاهرة بين الأهلي والزمالك وكيف تتحول العاصمة المصرية بالملايين من سكانها إلى "مدينة أشباح" إذ يسكن الجميع أمام شاشات التلفزيون في انتظار هدف لهذا الفريق أو ذاك حتى تشق الصرخات سكون المدينة.
ولعل هذا الاهتمام هو ما دفع خبراء مجلة "ورلد سوكر" الشهيرة عام 2008 لاختيار دربي القاهرة في المركز الثامن على مستوى اللقاءات الجماهيرية حول العالم.
كما خصص كتاب World Football Yearbook الصادر عن مؤسسة DK البريطانية للنشر وهو موسوعة عالمية صفحة خاصة عن مدينة القاهرة باعتبارها أحد عواصم كرة القدم لما جلبه الزمالك والأهلي من بطولات قارية إليها وبفضل الدربي المثير بينهما.
جمهور الزمالك
غالبية الزملكاوية اختاروا الفريق الأبيض لأنه "مختلف" ويمثل بديل أكثر شفافية ووضوحا من منافسه التقليدي الذي يرونه براقا لكنه أحيانا ما يخفي ما في داخله من صراعات أو عيوب، ولذلك يصفون الزمالك بالنادي الـ"نظيف" رغم أن مشاكله مطروحة بصورة يومية من خلال الإعلام.
في عيون الزملكاوية، الزمالك يمثل فكرة الإنسان الذي اختار أن يعيش على فطرته، فلا يخفي مشاعره ولا يخجل من مشاكله، وهو في صراع مستمر مع مشاكله الداخلية ومع عوامل مختلفة من بينها مثلا انحياز وسائل الإعلام للأهلي وبعض أجهزة الدولة -وهذا حسب وجهة نظر بعض عشاق الأبيض وليس وجهة نظري – وهو ما يمنحه صورة أكثر إنسانية ومتعة وتحدي، تجعل الفوز بأي بطولة ذو مذاق فريد.
الانسان الزملكاوي كان يستطيع تغيير انتمائه في لحظة إلى اللون الأحمر دون أن يتعرض إلى اللوم، فالغريم التقليدي ينتمي لذات المدينة، ونفس الطبقة الاجتماعية ونفس الدين، لكنه اختار الأبيض وهو اختيار دائما ما أثار حيرتي.
ويتسم جمهور الزمالك بحالة وفاء وعشق غير عادية للقميص الأبيض وهو ما يدفع جمهوره للصبر لمواسم عدة قبل الفوز ببطولة جديدة وهو ما وضح خلال السنوات الأخيرة التي تعرض خلالها النادي لأزمات كثيرة وكان أبناء الفريق هم السبب في كثير من الأحيان.
ولا أجد أبلغ من تلك اللافتة الزمالكوية الشهيرة التي تقول "سنظل أوفياء حتى تبتسم السماء" .. وتعليقا عليها أقول "بجد وبالذمة ده مش جمهور عظيم".
فما أن طرحت سؤال لماذا تعشق الزمالك على محبيه؟ سرعان ما تلقيت إجابات من نوعية "الحب لا يعلل" و "هذا سؤال خاطئ لأننا لا نحتاج لتفسير لعشقنا للزمالك" ,"الأزمات التي يتعرض لها تزيدني حبا فيه لدرجة أن ذلك الحب ازداد في آخر ثلاث سنوات" و"كأنك تسألني لماذا أتنفس" و"لأنه أجمل نادي في الكون".
كما يفسر بعض عشاق الزمالك حبهم للفريق بكونه بدأ كنوع من التعاطف مع الطرف الأضعف، والمقصود بالأضعف ليس الجانب الفني لكنه الجانب المادي والإعلامي والعددي، وأنصار هذا الرأي لا يجدون أي متعة في أن يساندون الفريق الأغنى أو صاحب الرصيد الأكبر في البنك لكنهم يحبون الفريق المكافح الذي يحقق الانتصارات على طريقة دون كيشوت الذي اختار أن يحارب طواحين الهواء، وبتعويض ما ينقصه بإصرار لاعبيه ومهاراتهم، ومع كل مرة ينجح فيها دون كيشوت في الانتصار على الطواحين يزداد عشقهم له.
ببساطة شديدة الزمالك مؤسسة مصرية عمرها 100 عام شاهدة على تحولات عدة مر بها هذا البلد، ربما تكون قضيت عمرك في تشجيعه، أو في تمني خسارته، أو حتى شراء ملابس من متجر خارج أسواره، وقد تكون ممن يكرهون كرة القدم وينتهزون فرصة مباراة الأهلي والزمالك للقيام بمشوار بدون زحام القاهرة المريع، في النهاية لابد أن تملك سببا وجيها للاحتفال به .. كل مئوية والزمالكوية الأوفياء طيبين.
حكمة اليوم: الشومة التي أنهالت بها يد خسيسة على رأس زملكاوية من الخلف اليوم لم تختار لون قميص أو دين ضحيتها، وستنهال فوق رأسك غدا.
تواصلوا معي عبر تويتر:
أو فيسبوك
مقالات أخرى للكاتب
-
عم "بكر" الأربعاء، 03 فبراير 2016 - 23:06
-
دموع بيرلو الأحد، 07 يونيو 2015 - 13:29
-
لماذا يموت المصريون في ملاعب كرة القدم؟ الأحد، 22 فبراير 2015 - 17:46
-
من أطلق الرصاص على مرتضى؟ .. ومقتلوش! الإثنين، 18 أغسطس 2014 - 11:38