هي نفسها المباراة التي ذكرتني بعبارة كانت تقال على الفنان العظيم فريد الأطرش رحمة الله عليه، إذ كان بعضهم يصفه بأنه "يتسمع وما يتشافش" .. وهو ما ينطبق بامتياز على لقاء كان متابعوه أمام شاشات التليفزيون وعبر تويتر يسألون بعضهم بعضا عن الهتاف الذي لم يسمعوه جيدا بدلا من اللعبة التي لم يروها أصلا، ولم يهتموا برؤيتها.
فبعد بضعة ديباجات، بدأ المحللون بقيادة السيد زكريا ناصف – وهو رجل محترم ومقبول عن أخرين يظهرون في الاستوديو نفسه – يجتر عبارات تنتمي إلى الثمانينات، أتذكر منها أن "مجالس الإدارات لا تأتي وترحل بهتافات الجمهور" و"على المشجعين أن يساندوا فريقهم بإيجابية وأن يلتزموا بهذا الدور" ثم المفضلة لدي وهي "ثلاثة آلاف مشجع لا يمثلون جماهير الزمالك الذي يشجه الملايين".
إذا كنت مقتنعا بهذا الكلام، فاسمح لي أن أفاجئك: عفوا .. من حق الجمهور تغيير الإدارة، وتغيير المدرب، وتغيير اللاعبين إذا لزم الأمر!
تعالى نحسبها بالعقل: نادي مثل الزمالك هو ناد للكرة، رغما عن من شاء ومن أبى. وإذا كان أعضاء الجمعية العمومية يختارون مجلس الإدارة باعتبارهم مساهمين بقيمة الاشتراك السنوي، فجمهور الكرة أيضا مساهم بقيمة اسم "نادي الزمالك" في الأسواق .. أو ما يعرفه محترفوا التسويق بـBrand Value
بكلمات أبسط، الزمالك ليس في قمة الأندية الاجتماعية في مصر، إذا كنت ترغب في الاشتراك في ناد اجتماعي لك وللأسرة، فلن يرد اسم الزمالك في أول عشرة اختيارات في اللائحة، وإذا كانت قدراتك المالية لا تسمح إلا بالاشتراك فيه، فلن تقدم على هذه الخطوة إلا إذا كنت مشجعا لفريق الكرة بالأساس.
إذن فالجمهور هو من يصنع قيمة النادي، القيمة التي تتحول فيما بعد إلى أموال تأتي في شكل عقود رعاية وإعلان لفريق كرة قدم لم يفز ببطولة الدوري المحلي منذ ثماني سنوات ولم يفز ببطولة قارية لفترة أطول، وهذه الأموال تأتي بسبب المتابعة المكثفة في الاستاد والتليفزيون ووسائل الإعلام من ملايين الناس، وليس بسبب عشرات الآلاف الذين يمتلكون حق التصويت في الجمعية العمومية – مع كامل الاحترام لهم.
وحتى هؤلاء الأعضاء، أعطوا حازم إمام أعلى عدد من الأصوات في تاريخ كل الجمعيات العمومية لأي ناد مصري في 2009 لأنه نجم الكرة، وليس من أجل إصلاح الحدائق، وتنظيم الرحلات، وتجديد مصيف مرسى مطروح.
جمهور الكرة أيضا هو من يحاول الجميع التقرب منه والتودد إليه لحضور المباريات، كفائدة مادية من دخل بين التذاكر، التي رفع أسعارها قبل بضعة أعوام السيد ممدوح عباس رئيس النادي في مباراة مصيرية أمام الأهلي رغبة في الكسب المادي. ويلجأون إليه أيضا للدعم المعنوي، الذي جعل لاعب مثل محمد إبراهيم يشعل الملعب حماسا أمام تشيلسي رغم أنه في المباراة الماضية ظهر وكأنه أول مرة يتعرف على الكرة.
الجماهيرية والشعبية الكروية هي من جعل شركة مثل أديداس تبرم تعاقدا جيدا جدا مع الزمالك، توفر من خلاله جميع الأدوات الرياضية إضافة إلى نسبة من أرباح مبيعات قمصان الفريق الأصلية من محلات الشركة، وهو تعاقد يشبه كثيرا في شروطه الاتفاق المبرم مع الأهلي، برغم فارق النجاحات الضخم في السنوات العشر الأخيرة.
جمهور الزمالك هو ما يجعل لاعبين كثيرين ينضمون للنادي مع معرفتهم التامة بظروفه المزعجة. أحمد حسن مثلا، قرر خوض تجربة وتحد جديد بين أسوار نادي ميت عقبة بعد الرحيل الاضطراري من الأهلي، على الرغم من وجود عروض أفضل ماليا من الخليج، وأفضل ماليا ومعنويا في بلجيكا.
ولكن حلم النجاح مع القطب المصري الأخر وتلقي التحية من جماهيره التي لا تتعب وجهه إلى ارتداء القميص الأبيض، والمفارقة أن من طفشه من النادي الآن هو ذلك المجلس، الذي يرى السيد ناصف ومعظم زملاء جيله من المحللين والكتاب الصحفيين، أنه لا يجب أن يأتي أو يرحل بهتاف من الجمهور!
النظرة إلى الجماهير باعتبارهم "رعايا" المجلس الحاكم، عليهم القبول بقراراته، والتشجيع والدعاء له في خضوع، هي نظرة تنتمي إلى ثلاثين عاما مضت – على الأقل – ولم تعد تصلح للاستخدام حاليا في وقت بات فيه المشجعون "مساهمون" وشركاء، مستمدين قوتهم من الفوائد المالية والمعنوية السابقة – وهي مجرد أمثلة – والتي تعطيهم الحق في حساب بعض الموظفين في مناصب أعضاء مجلس إدارة.
كل ما سبق هو محاولة لإقناعك بألا تسمع كلام الاستوديوهات الذي يخبرك بأن الجمهور ليس من حقه الهجوم على الإدارة، أما إذا كنت لا تسمع كلامهم من الأساس، فستجد تويتر مكانا ممتعا لمناقشات تفيض معلومات مفيدة وتعليقات حيوية تليق بكرة القدم.
--
على الهامش: في نفس الاستوديو، اتفق المحللون على أن حضور الجمهور في هذا اللقاء كان له تأثيرا "سلبيا" على الزمالك، رغم أن هؤلاء المشجعين أحضروا معهم النقطة الوحيدة التي حصل عليها الفريق إلى الآن، فماذا كانت الإيجابيات التي غابت عن الزمالك بسببهم؟
تابعني على @asaied