"متلازمة أبريل".. هل حسم مانشستر سيتي أمر الدوري الإنجليزي بالفعل؟

الخميس، 18 أبريل 2024 - 17:51

كتب : محمود ليالي

بيب جوارديولا وميكيل أرتيتا - مانشستر سيتي وأرسنال

"لقد عرفت كل شيء بالفعل،

عرفت كل شيء،

لكن ابتهج يا "أرتيتا"،

لا يزال هناك أمل"

تي اس اليوت، قصيدة "نحن الجوف" بتصرف.

لا جديد تحت الشمس؛ لقد سقط ليفربول وأرسنال في فخ الهزيمة لأسباب مختلفة أهمها الإصابات، وبدأ مانشستر سيتي في السيطرة على مقدمة الجدول، وعندما يكون السيتي في المقدمة، فالأمور تصبح محسومة ولا جدال فيها، بالنسبة للعديد من المشجعين، بل ويتحول هذا الصراع الطويل إلى شيء متوقع تمامًا؛ مانشستر سيتي سيفوز بالدوري الإنجليزي الممتاز في نهاية المطاف، لماذا؟ لأن الفريق يكرر الأمر نفسه منذ سنوات، وجرت العادة أن يبدأ سلسلة طويلة من الإنتصارات المتتالية بين نهاية شهر مارس، ومنتصف شهر إبريل، تنتهي بصعود بيب غوارديولا إلى منصة التتويج؛ فيما سماه البعض "متلازمة أبريل".

ففي موسم 2018-2019، فاز السيتي في آخر 14 مباراة في الدوري، ليحصد اللقب بفارق نقطة واحدة عن ليفربول، وفي موسم 2021-22، فاز الفريق في آخر 12 مباراة في الدوري، حيث تعادل في ثلاث مناسبات فقط، ليتوج باللقب في النهاية بفارق نقطة وحيدة أيضًا عن الوصيف.

أما في الموسم الماضي، فقد سارت الأمور بشكل مذهل منذ نهاية شهر مارس، حيث فاز السيتي بـ12 مباراة متتالية في الدوري، ثم وصل إلى نهائيات كأس الاتحاد الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا؛ ما يثبت أن الفريق سيصل حتمًا إلى نقطة ما في الموسم، يكون فيها مسيطرًا على الوضع تمامًا، فهل هذا الموسم سيكون مثل سابقيه؟

ليس بهذه السهولة

"إن مجرد حدوث شيء ما في الماضي، لا يعني أنه سيحدث مرة أخرى في المستقبل، لا توجد أية ضمانات على ذلك".

بيب غوارديولا

في كتابه "God Save Pep" يروي الكاتب مارتي بيرارناو، قصصًا عن الأيام الأولى لجوارديولا في قيادة السيتي، حيث كان متشككًا في البداية على قدرة الفريق على النمو أو اتباع تعليماته، وأيضًا من الطريقة التي سيبدو بها فريقه بعد أن غيّر خططه للتعاقد مع 10 لاعبين جدد، تلك الأيام كانت مليئة بالمشاكل التقنية والتكتيكية، ولذلك كان هدف بيب الأول هو غرس روح جديدة في الفريق، تساعده على النمو.

ورغم هذا التخبط، إلا أن بيب بدأ في الإمساك بزمام الأمور، بعدما حظي بتشجيع مدرب إيفرتون آنذاك، رونالد كومان، بعد التعادل معه بنتيجة 1-1، موسم 2016، على ملعب الاتحاد، حيث قال كومان في المؤتمر الصحفي بعد المباراة: "أن هذا الفريق هو أفضل فريق لعبَ ضده في مسيرته التدريبية"، وهذا ما أسعد جوارديولا للغاية، نظرًا لأن المعركة كانت مستعرة ضده في تلك الأيام، وكان الجميع يتساءل عما إذا كان أسلوبه التموضعي سينجح في بلاد الإنجليز، وهل سيفوز الرجل بأي شيء في دوري لا يوجد به قادش أو ليفانتي؟

أما هذه الأيام؛ فالمعركة مختلفة بعض الشيء، حيث يذهب البعض إلا أن هذا الموسم ليس كما سابقيه، لأنه لا يحمل نفس التوقعات أو المآلات، نظرًا لاختلاف الدافع، فبعد مرور أكثر من سبع سنوات، حقق فيها الرجل نجاحًا باهرًا، وتحولت دفته من المشقة والغُبن، إلى الفرح والسعادة والانتصار، خاصةً بعد تحقيقه لقب دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي؛ أصبح الآن يصارع من أجل إقناع الصحفيين بأن تلك الانتصارات التي حققها، لم تكن لتتحقق لولا العمل الشاق، وأنه ليس هناك أي معنى لفوزه بثلاثية في الموسم الماضي، إن لم يعمل بنفس القوة والمثابرة في الموسم الحالي.

حيث أكد في العديد من المرات على أنهم سيحصدون اللقب إذا واصلوا اللعب كما فعلوا في التعادل ضد توتنهام هوتسبير وليفربول، وليس كما فازوا ضد لوتون تاون، في إشارة إلى أنه لن يصبح راضيًا عن نفسه في حالة الفوز فقط.

نظرية الإجهاد

"من الضروري بالنسبة لسيتي، كمؤسسة، أن تهدر نقاطًا على مدى فترة طويلة، ليس للتخلص من الرضا عن النفس فقط، ولكن لجعلهم يقدرون مدى صعوبة الأمر بالنسبة لهم، وأنهم بحاجة إلى الضغط الناتج عن الاضطرار إلى الفوز بمباراة تلو الأخرى في نهايات الموسم، ليكونوا في أفضل حالاتهم".

بيب غوارديولا.

في بداية هذا الموسم، وبعد أن فاز سيتي بست مباريات متتالية، صرح كايل ووكر إنه لا يرى سببًا يمنع فريقه من اقتحام سباق اللقب والفوز به مبكرًا، دون الحاجة إلى الإنتظار حتى نهاية الموسم، لكن كلماته لم تتحقق، حيث شهد الفريق تراجعًا استمر من أكتوبر إلى ديسمبر، مما يعني أنه عاد إلى نفس الوضع مرة أخرى، الوضع المضغوط الذي يجعل سيتي في أفضل حالاته؛ ولكن هل هو في أفضل حالاته فعلًا؟

للإجابة على السؤال، سنعود لتصريحات بيب نفسه، في المؤتمر الصحفي الذي تلى فوزه على أستون فيلا بنتيجة 4-1، حيث حملت تصريحاته بعض التأفف من آداء الفريق: "لم نكن أقوياء، ولم نتعامل جيدًا مع الدفاع المنظم والمرتدات؛ لكنني غير منزعج تمامًا، فالأمر يتعلق بحقيقة أننا نلعب مباراة كل ثلاثة أيام، كما أن لدينا لاعبين أصيبوا في المباريات الودية الدولية، وآخرون لعبوا 96 و96 و90 و94 و90 دقيقة، ومع ذلك، يكون الأمر أكثر صعوبة عند القتال في جميع المسابقات، أنت بحاجة إلى أن يكون الجميع منتعشًا للمنافسة فيها في جميع المسابقات".

ثم تحدث عن الفارق بين هذا الموسم والموسم الماضي قائلًا: "أن الفرق هو أن لدينا عددًا أكبر من اللاعبين المصابين مقارنة بالموسم الماضي، لو كان لدينا كايل وناثان آكي، لكان الأمر أسهل وفي المستقبل". وهذا هو صلب الموضوع؛ فالإجهاد الناتج عن ضغط المنافسات، عادة ما يفضي إلى نتائج غير متوقعة خاصة عندما يكون المدرب متطلبًا، ويحتاج إلى "بذل الكثير من الجهد في كل المنافسات والمسابقات".

ويصبح الأمر أعقد عندما تتنوع تلك المنافسات بين الدوري شديد التنافسية وبين بطولات خروج المغلوب مثل الكأس ودوري أبطال أوروبا، حيث تحتاج الأخيرة تحديدًا إلى ذهنية وتركيز مختلف يمكن اللاعبين من السيطرة على المباراة، ولكن مع الضغط؛ فيمكن للفريق أن يخرج عن تركيزه في مباريات الدوري، وضد المنافسين ذوي التصنيف الأدنى.

وبما أن سيتي سيلعب ضد ريال مدريد في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، ثم ضد تشيلسي في كأس الاتحاد الإنجليزي بعد ثلاثة أيام فقط، قبل أن يسافر إلى برايتون بعد خمسة أيام، فهذا يعني أن هناك إحتمال وارد لأن يفقد بعض النقاط ضد وولفرهامبتون، أو في أي مباراة أخرى نتيجة للإجهاد الذهني والعصبي.

ذلك الإجهاد الذي عبر عنه رودري حين قال "أنه يحتاج إلى فترة راحة كبيرة تعوضه هذا الضغط الكبير"، بعدما شارك في 3498 دقيقة هذا الموسم، في جميع المسابقات، ما جعله يبادر بالحنين إلى مقاعد الدراسة دون كرة القدم، فهو في النهاية شاب في العشرينات من عمره، يستمتع بالكثير من الأموال النجومية، ولكنه في مقابل ذلك يخلع عمره الحقيقي على باب الملعب، ويتعايش مع العالم باعتباره في منتصف الأربعينيات.

تلك هي الضريبة، وفي حين أن زملائه يستمتعون بالخصومات التي تقدمها الخطوط الجوية البريطانية للطلاب على الرحلات خارج الدولة أو داخلها، ويكتشفون عالمهم، ويلعبون الغيتار على سلالم الجامعة والمدارس، يظل هو عالقًا بين التدريب والمباريات والضغوط، في حالة روتينية ستفقده القدرة على التعايش رغمًا عنه في لحظة من اللحظات، خاصة مع مدرب متطلب مثل جوارديولا، فإن كانت تلك الحالة منتشرة في الفريق، فهذا يعني أن الأمل لازال موجودًا في صدور ليفربول وأرسنال!

درجات التوحش

ليس الإجهاد هو السبب الوحيد لكي يأمل أرسنال، تحديدًا، في سقوط مانشستر سيتي، على اعتبار أن ليفربول يعاني هو الآخر من أزمات مشابهة، بعد أن أضحت خيارات كلوب مقيدة بالإصابات، وبعدما تآكلت ثقته في الثلاثي الهجومي صلاح ونونيز ولويس دياز، ما قد يجعله بعيداً بعض الشيء، ولذلك قد ينطوي أمل أرسنال على ما هو أعقد من الإجهاد مجردًا؛ ألا وهو التشبع، ولذلك دعنا نسأل سؤالًا: هل يستطيع فريق، أيا ما كانت ماهيته، أن يحقق الثلاثية مرتين على التوالي؟ الإجابة حسبما أعلم، لا، خاصة وأن الإنجازات الضخمة عادةً ما تحيل صانعها إلى حالة من التشبع، وحالة التشبع تلك، تتبعها عادةً حالة من الزهد، والزهد يفضي إلى الإجهاد، والإجهاد يوصلنا إلى الزهد، ثم الإرهاق، في دائرة مفرغة لا تنتهي.

هي لعبة نفسية إذن، وأسئلة تدور؛ من سيتحمل الضغوطات هو الذي سينتصر في النهاية؟ وهذا هو الوقت الذي تتجمع فيه كل تلك العوامل الصغيرة التي يتم التغاضي عنها: الإيمان بالأسلوب، والثقة في التخلص من النكسات، والمرونة التكتيكية في التعامل مع اللاعبين، وقبل كل شيء، الرغبة في الاستمرار على الرغم من الظروف القاسية، وصد رغبة الإنسان في التراخي بعد الوصول إلى القمة.

الآن هناك سبع مباريات متبقية في الدوري الإنجليزي الممتاز، ولهذا السبب يبذل جميع اللاعبين جهدًا لا يصدق لمحاولة الاستمرار في القيام بذلك، ورغم ذلك؛ يبدو جوارديولا متشائما بشأن فرص فريقه في تحقيق ثلاثية أخرى هذه المرة، ليس بسبب اعتقاده أنه لا يمتلك الجودة أو المقاتلين، ولكن لأن فريقه مستنزف بسبب بعض الإصابات، ومجهد بسبب الكثير من الضغوطات، ويفتقد الكثير من الدوافع؛ فهل هذا يعني أنه سيهزم لا محالة؟

بالطبع لا؛ فلن يتفاجأ أحد إذا حققوا الانتصارات مرة أخرى ورفعوا كأسًا أو اثنين، أو حصدوا الثلاثية مرةً أخرى، لكن إذا لم يتمكنوا من تحقيقها هذه المرة، فهذا يعني هدنة مع النفس ليس إلا، فلا تقلق إن كنت من محبي مانشستر سيتي؛ لأن فريق بيب لم ولن يكن آيلًا للسقوط، هذا الأمر ليس مطروحًا للنقاش أصلا، وأما إن كنت من منافسيه، فهيأ نفسك منذ تلك اللحظة لموسم قادم شديد الصعوبة.

التعليقات