خيتافي.. مغامرة البطة والثوري والغجري للعثور على حيوانات منوية زرقاء
الأحد، 19 أبريل 2020 - 19:22
كتب : زكي السعيد
وقَف مُشجِع خيتافي يتأمل المدرجات الخاوية، ملعب مهجور لا يقصده إلا قِلة، تتطاير في أنحائه الأكياس البلاستيكية ولا تجد من تصطدم بوجهه وسط هذا السكون المميت، لو صَرَخ لتردد صداه عدة أيام في ممرات كوليسيوم ألفونسو بيريز.
فجأة، هبت فكرة جنونية للمُشجِع المسكين، لماذا لا يستفيد من نقطة قوته، لماذا لا يستعمل مخزونه الحيوي، لماذا لا يتكفّل شخصيًا بحل مسألة المدرجات الخالية؟
بنظرة سريعة إلى منطقته الخاصة، أدرك المُشجِع أن الحل في الإنتاج، وتَوجّه على الفور إلى عيادة مختصة في استقبال التبرعات بالحيوانات المنوية.
هناك، تَسلّم المشجّع عبوة معقَمة، ولمساعدته على التبرع السلس، يحصل أيضا على نسخة من فيلم إباحي بعنوان "زومبيز خيتافي الساخنين"، يظهر أبطاله –خلال ممارستهم الجنسية- وسط العديد من أعلام ومقتنيات نادي خيتافي.
بعد التبرع يأتي الدور على التلقيح، ليجلب إلى عالمنا أطفالا بأعين زرقاء، هدفهم الأول في هذه الحياة: مساندة خيتافي من أرض الملعب.
هذه الأسطر السابقة، هي وصف دقيق لحملة دعائية أطلقها نادي ختيافي عام 2011، لزيادة عدد أعضائه، "وليس هناك فئة معينة تستهدفها الحملة، سوى الذين يمتلكون حس الدعابة" وفقا لـ آنخل توريس المُشرف على الإنتاج.
ويتشارك آنخل توريس في اسمه مع مالك خيتافي ورئيسه وصانع نهضته، كما يتشارك معه في القدرة على إثارة الجدل إلى أقصى درجة لإعلاء شأن خيتافي، تمامًا كما سيتبيّن في فقرات لاحقة من هذا التقرير.
"نريد عالمًا من الخيتافيين".. يعقّب المنتج توريس.
الحملة كانت كاملة، غطت كل مراحل إنتاج مُشجع أزرق، ربما تناست فقط أن تنبه على المتبرعين بتخصيص رؤوسهم النووية لرابطة "بينيا دونيا روميرا"، إحدى روابط التشجيع التي تحضر إلى الملعب لدعم خيتافي دائما.
والسبب إنها رابطة قوامها 30 سيدة، ولا يُسمَح فيها بالرجال.
اسمٌ ليس على مسمى
تأسس نادي خيتافي في شكله الحالي عام 1983 في جنوب العاصمة الإسبانية مدريد، على أنقاض خيتافي ديبورتيفو الذي أفلس وتم حله في نهاية المطاف.
ولأن خيتافي نادٍ حديث العهد لا يمتلك تاريخا يُذكَر، فقد جاء اختيار اسم ملعبه عند افتتاحه عام 1998 مثيرا للجدل.
فصاحب الاسم لم يلعب أبدا لـ خيتافي، ولم يلعب أبدا ضد خيتافي، ولم يلعب حتى على الملعب الذي يحمل اسمه!
صاحب الشرف هو ألفونسو بيريز، لاعب ريال مدريد، وريال بيتيس، وبرشلونة السابق، بالإضافة إلى ارتدائه قميص منتخب إسبانيا في 38 مناسبة.
أما الإنجاز الوحيد الذي حققه ألفونسو حتى يحمل الملعب اسمه، هو أنه وُلد في تلك المنطقة، ولذا هو أشهر رياضي خرج من خيتافي.
ووقتما حصل الملعب على اسم ألفونسو بيريز، كان اللاعب في أوج مسيرته الكروية رفقة بيتيس، وفردا دائما في منتخب إسبانيا.
بل إنه بعد عامين، سجل واحدا من أشهر الأهداف في تاريخ الكرة الإسبانية بالثانية الأخيرة من مباراة غير منطقية الأحداث أمام يوغوسلافيا خلال يورو 2000، ودفع بلاده إلى الاحتفال بجنون لدرجة أن معلّق إذاعة كادينا سير ظل يردد كلمة: "سأموت".
لكن بعد 17 عاما تبدّلت الكثير من الأمور، زالت نشوة هدف ألفونسو القاتل، وهَب حزب "Ahora Getafe" أو "الآن خيتافي" مطالبًا بتغيير اسم الملعب، لأن ألفونسو بيريز ليس منتميا لـ خيتافي بأي شكل حتى ينال هذا التشريف الهائل.
فعند تأسيس الملعب عام 1998، كان خيتافي ناديا قابعا في القسم الثالث لم يسبق له اللعب بين الكبار أبدا.
وبعد حوالي عقدين، تبدّل الوضع بشكل متطرف، وعرف خيتافي طريقه نحو البطولات الأوروبية، ولم يعد ألفونسو بيريز واجهةً رياضية للمنطقة.
في النهاية لم يتغير اسم الملعب –حتى اللحظة-، وبعيدا عن حرب المسميات، تبرز مشكلة أكبر بكثير في ملعب خيتافي: مدراجته لا تمتلئ إلا نادرًا.
وإلى من قد يلجأ خيتافي في هذه الحالة؟ بالطبع إلى آنخل توريس المشرف على إنتاج إعلان الحيوانات المنوية.
"الدعايا الكافرة"
منذ صعوده إلى الدوري الإسباني لأول مرة عام 2004، خاض خيتافي 299 مباراة على أرضه، لم يمتلئ خلالها ملعبه سوى 6 مرات فقط، آخرها قبل 10 سنوات!
بل يواظب خيتافي على تسجيل معدلات حضور منخفضة للغاية بشكل سنوي، فشهد الموسم الماضي معدّل حضور 10,836 في المباراة الواحدة رغم أن الفريق نافس على التأهل إلى دوري أبطال أوروبا حتى الجولة الأخيرة.
كما شهدت عدة مواسم عدم تخطي المُعدّل لـ 8 آلاف في المباراة الواحدة في ملعب يسع 16 ألف متفرج، وهو ليس عدد مقاعد جبار ليكون امتلاؤه عسيرا إلى هذه الدرجة.
وفي يناير 2014، شهدت مباراة خيتافي وريال سوسيداد حضور 500 مشجعٍ فقط!
ومشكلة خيتافي الحقيقية تتمثل في قلة عدد أعضائه ومشجعيه وحملة تذاكره الموسمية، الفريق العاصمي شعبيته منخفضة للغاية.
ولذا فمسألة زيادة المشجعين عن طريق التلقيح من طرف ثالث والتبرع بالحيوانات المنوية، على قدر عبثيتها، إلا أنها تعبّر في النهاية عما يحتاجه خيتافي: المزيد من المشجعين.
فالفريق قابع في مدينة يتقاسمها تقريبا ريال مدريد وأتليتكو مدريد، مشكلة يعرفها جيدا نادي إسبانيول أيضا المختفي في ظل برشلونة.
الإحصاءات الحكومية تشير إلى أن 62% من سكان العاصمة يساندون ريال مدريد، و22% يشجعون أتليتكو مدريد، و8% يدعمون برشلونة.
وبعملية حسابية سريعة، يتبيّن أن الجزء المتبقي من الكعكة لا يتجاوز الـ8%، وهو ليس من نصيب خيتافي وحده بالطبع، فيزاحمه سرب من صغار العاصمة، على رأسهم رايو فايِّكانو النادي صاحب التاريخ الأعرق والتقاليد الراسخة.
وتعداد مدينة خيتافي يبلغ 180 ألف نسمة تقريبا، ليس مرتفعا للغاية، لكنه ليس منخفضا كذلك، فـ 10% فقط من السكان يكفون لملء كوليسيوم ألفونسو بيريز (ملعب لاسيراميكا عند امتلائه بشكل شبه أسبوعي يضم في جنباته 50% من سكان مدينة فياريال على سبيل المثال)
لكن المدرجات الخاوية دفعت الرئيس آنخل توريس إلى الجنون، وبات مستعدا للاستعانة بأي أحد لإقناع الجماهير بالقدوم، وأقصد بأي أحد.. أن الأنبياء والرُسل ليسوا استثناءً.
في 2007، أقدم النادي على الحملة الدعائية الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الرياضة الإسبانية.
إعلان التذاكر الموسمية لذاك الموسم كان مختلفا للغاية، وأكثر تطرفا من زومبيز خيتافي الساخنين أصحاب الحِس الإباحي العائد إلى حقبة السبعينيات.
المقطع الذي يمس عقائد الديانات السماوية، يبدأ بتجسيد إبراهيم خلال حادثة التضحية بـ إسماعيل، وصوت مصاحب يقول: "من تظن نفسك حتى تعتقد أنني سأقتل ابني لأنك طلبت ذلك فحسب؟! هذا لن يحدث أبدا".
ثم يظهر تجسيد لـ موسى ونسمع عبارة: "أنصت إليَ جيدا، كيف لك أن تعتقد أنني سأدين نفسي وأهيم في الصحراء لـ 40 عاما! ليس من أجلك".
ويأتي الدور على جان دارك أو العذراء أورليان أثناء إعدامها حرقًا، وهي تقول: "يمكنك إطفاء النار، فقد مضى وقت طويل على اكتشافي أنني لن أموت فيها دفاعًا عن اسمك".
كما يُصوَر آدم في جنات عدن موطن الخلق الأول وفقا لسفر التكوين، والتعليق الصوتي يقول: "أنت مجنون، مجنون إن اعتقدت أنني سأخلع ضلعًا من جسدي لمجرد نزوة لك".
وأخيرا يُختَتَم الفيديو بتجسيد المسيح والصوت يقول: "أنصِت إليّ، ليس من أجلك".
ثم تظهر عبارة "فريقي أولًا".
حسنًا، استقبالك لهذه الكلمات السابقة شبيه تمامًا على الأرجح بالطريقة التي جاءت عليها ردود الفعل في إسبانيا.
غضب عارم وانتقادات حادة وهجوم شرس، إدارة خيتافي فتحت أبواب الجحيم على نفسها، فخرج حزب الشعب اليميني أحد أهم أحزاب إسبانيا مطالبًا على الفور بإزالة الإعلان من الشاشات.
كما ندد به مجلس المدينة الثقافي، وبالطبع لم تكن المؤسسات الدينية بعيدة عن الصورة، فوصفت أسقفية خيتافي الإعلان بـ "غير المحترم" و"المجدِف".
خواكين ماريا لوبيز دي أندوخار أسقف منطقة خيتافي صرّح: "لقد تسبب المقطع في انزعاج واسع بين سكان خيتافي، الصور مسيئة ومثيرة للجدل واستفزازية".
وأضاف: "على مسؤولي نادي خيتافي تعليق هذا المقطع الدعائي فورا".
لكن آنخل توريس رئيس خيتافي شن هجمته المضادة بتصريحات نارية: "ليس لدي ما أزيل، أرى أنه تم اجتزاء السياق. إنه مقطع دعائي يحترم الجميع".
"في ظرف عدة أيام سنعود للحديث عن كرة القدم وليس أمور أخرى".
"هناك أمور أكثر أهمية في العالم، مثل الإرهاب، والمجاعات؛ من أن يقلق الناس بشأن حملة دعائية".
آنخل توريس –الآخَر- المسؤول عن الحملة الدعائية (تذكرون الرجل الذي يشارك الرئيس في اسمه وجنونه) صرّح بدوره:
"لم نرد استفزاز أي أحد، ولكن في هذا البلد يتم انتقاد أي شيء يخرج عن المألوف".
"بكل تأكيد، فأي كاثوليكي في مدريد أو برشلونة يفضّل مشاهدة مباراة دربي عن حضور احتفال ديني، بل يفضّل ذلك عن مقابلة فتاة حتى".
"كل شيء مذكور في الإعلان مكتوب في الإنجيل"!
دربي الحصى والرمال
"شكرا لكل من ساهموا في جعل هذه المباراة ممكنة".
هكذا غرّد حساب نادي ليجانيس قبل مواجهة خيتافي التاريخية في الدوري الإسباني بسبتمبر 2017.
CARTEL ONLINE I Máxima Rivalidad, Máximo Respeto vive un #DerbiHistórico https://t.co/RYz0YaH5Gm pic.twitter.com/bQaRmfVnq4
— C.D. Leganés (@CDLeganes) August 29, 2017
صباح المباراة، توجّه إلى ملعب بوتاركي كل من سانتياجو يورينتي عُمدة ليجانيس، وسارا هيرنانديز عمدة خيتافي، والتقطا صورة تذكارية لم يسبقهما إليها أحد من أسلافهما.
في 8 سبتمبر 2017، وأخيرا بعد عقود من العداوة المُهمّشة، التقى خيتافي وليجانيس في الدوري الإسباني الممتاز للمرة الأولى على الإطلاق.
فبعد أن تواجها في القسم الثاني لدوري الأقاليم، ثم القسم الأول لدوري الأقاليم، ثم القسم الرابع للدوري الإسباني، ثم الثالث، ثم الثاني، حدثت المعجزة التي لم يتجرأ أي من جماهيرهما على الحلم بها: دربي جنوب مدريد في الدوري الممتاز.
*دربي عام 1995 في القسم الثاني بقيادة الحكم الشهير إدواردو إتورالدي جونزاليس
ليصير هذا الدربي الصغير هو الوحيد في الكرة الإسبانية الذي لُعب في كل درجات الدوري، بل لعله حتى يتفرّد في هذا الشأن على مستوى العالم أجمع.
عداوة ترجع إلى أربعينيات القرن الماضي، أسبابها جغرافية بالطبع.
فخمسة مدن تحد العاصمة مدريد من الجنوب: ألكوركون، وموستوليس، وفوينلابرادا، وخيتافي، وليجانيس.
وأقل من 6 كيلومترات فقط تفصل بين كوليسيوم ألفونسو بيريز ملعب خيتافي، وبوتاركي ملعب ليجانيس.
وبينما استندت خيتافي في نموها الاقتصادي على الصناعات الثقيلة، ظلت السلعة الأكثر شهرة في ليجانيس هي الخيار، لدرجة تلقيب فريقها بـ Los Pepineros، أو "مزارعو الخيار".
وعندما صعد خيتافي إلى الدوري الممتاز لأول مرة عام 2004، شهد نفس الصيف هبوط ليجانيس إلى القسم الثالث، وظل هناك في غياهب النسيان لعشر سنوات تزامُنًا مع تحقيق غريمه خيتافي للمعجزات أمام كبار أوروبا.
جماهير ليجانيس عاشت سنواتها الأسوأ، فبينما كان خيتافي يحقق انتصارات عريضة على برشلونة وريال مدريد، اضطر ليجانيس إلى خوض الدربي أمام خيتافي (ب)!
مع عودة ليجانيس إلى القسم الثاني، بدأ خيتافي في التخبط بالأعلى، حتى حلت عليه نكبة 2016 وهبط للمرة الأولى –والوحيدة حتى اللحظة- في تاريخه.
وللمصادفة، أخذت جماهير ليجانيس بثأرها في نفس الصيف، لأن فريقها حقق المعجزة وصعد إلى الدوري الممتاز لأول مرة في تاريخه.
وكأن خيتافي وليجانيس طرفان سلبيان للمغناطيس، لا يجتمعان في نفس الركن أبدا، بل على أحدهما المغادرة والإفساح للآخر.
لحسن الحظ هذه النظرية ليست دقيقة، لأن خيتافي عاد بعد عام واحد إلى الدوري الممتاز، وفتح الباب لخوض مباراة تاريخية قد لا تحظى بقدر هائل من المتابعة، إلا أن طرفيها كانا من سكان القسم الثالث الأوفياء قبل وقتٍ غير طويل.
وفي واحدة من أقوى مباريات الموسم، تصارع الفريقان على نقاط مباراة لُعبَت في السابق على الحصى والرمال، ووقفت إسبانيا كلها تتابع صدام الصغيرين الذي يُنتِج دويًا مزلزلا في جنوب العاصمة.
خيتافي افتتح التسجيل بتسديدة خارقة من ماورو أرامبارّي، قبل أن يتعادل ميجيل آنخل جيريرو في الشوط الثاني ويفجّر مدرجات بوتاركي.
ليجانيس كاد أن يلامس السماء في الدقيقة 72 عندما انبرى جيريرو لتنفيذ ركلة جزاء، لكن بطل المباراة فيسنتي جوايتا حارس خيتافي تصدى لها.
ليحل العقاب بتسديدة خارقة جديدة عن طريق البديل ألفارو خيمينيز الذي خطف انتصارا تاريخيا لـ خيتافي في آخر دقائق المباراة.
البطة والثوري والغجري
1- البطة
مع نهاية الشوط الأول، أشارت النتيجة إلى التعادل 0-0 بين خيتافي وضيفه جيمناستيك في الجولة قبل الأخيرة للدوري الإسباني.
وبينما اصطحب المدرب بيرند شوستر لاعبيه إلى غرفة خلع الملابس، طلب من لويس جارسيا الحارس الاحتياطي أن يبدأ الإحماء.
ورغم أن الحارس الأساسي، روبيرتو أبوندانزييري، لم يكن مصابا، ولم يُطرَد، ولم يرتكب خطئا فادحا؛ فـ لويس جارسيا لم يندهش من طلب مدربه، لأنه تغيير متفق عليه بشكل مسبق.
مع بداية الحصة الثانية، مرت أول ربع ساعة بطيئة للغاية على جماهير خيتافي، وبينما واصل لويس جارسيا الإحماء، وضع كل من في كوليسيوم ألفونسو بيريز أياديهم على قلوبهم، لا يهتمون بالنتيجة، فقط لا يرغبون في اهتزاز شباكهم –الآن-، لأن لا مانع من اهتزازها بعد الدقيقة 60.
فور أن أتمت المباراة ساعة من اللعب، أدركت جماهير خيتافي أنها على وشك رؤية شيء لم يحدث من قبل، وعرف أغلبهم أنهم على بُعد خطوة من دخول التاريخ.
هذه الخطوة كانت خطوة الحكم الرابع، الذي تقدّم إلى الخط الجانبي وأشهر لوحته الإلكترونية، في الخانة الخضراء كُتب الرقم 1 الخاص بـ لويس جارسيا، وفي الخانة الحمراء كُتب الرقم 13 الذي يحمله أبوندانزييري على ظهره.
وفي غبطة بالغة غير معتادة لحارس مرمى عندما يغادر الملعب، جلس أبوندانزييري على مقاعد بدلاء خيتافي والابتسامة تملأ وجهه، أو لنقل بالأحرى أنه جلس على عرش حراس مرمى الدوري الإسباني.
في لحظة مغادرته الملعب، توج الحارس الدولي الأرجنتيني بجائزة زامورا رسميًا، كأفضل حارس في الليجا عن موسم 2006\2007.
فبعد برشلونة، وريال مدريد، وأتليتكو مدريد، وفالنسيا، وديبورتيفو لاكورونيا، وأتليتك بلباو، وريال سوسيداد، وسبورتنج خيخون، وسيلتا فيجو، وإسبانيول، وريال بيتيس، وأريناس جيتشو، وديبورتيفو ألافيس، ومالاجا، ومايوركا.. بات خيتافي النادي رقم 16 في التاريخ الذي تدخل جائزة زامورا إلى خزائنه.
أما السبب وراء إخراج أبوندانزييري مباشرةً بعد الدقيقة 60، وعدم إشراكه في مباراة الجولة الأخيرة أمام سيلتا فيجو، فيرجع إلى القواعد الدقيقة التي تنظّم الفوز بالجائزة.
حتى يفوز الحارس بـ زامورا، عليه أن يتلقى أقل نسبة من الأهداف (عدد أهدافه مقسومًا على عدد مبارياته)، بشرط أن يخوض 28 مباراة أو أكثر، وأن يلعب 60 دقيقة على الأقل في هذه المباريات.
وبالتالي، حتى يحسم أبوندانزييري صراع الجائزة، احتاج إلى الخروج بشباك نظيفة أمام جيمناستيك، ولكي تدخل المباراة في رصيده، كان عليه الانتظار حتى الدقيقة 60.
بعد خروجه، تلقى خيتافي هدفا بالفعل، لكن "البطة" كان قد هرب بالجائزة.
"باتو"، هكذا يخبرنا ظهر القميص عن اسم حامله، و Pato في الإسبانية تعني "بطة"، لقب لم يفارق أبوندانزييري طوال مسيرته الكروية.
إلا أن هذه البطة لم تطل برأسها خارج أمريكا الجنوبية سوى في عمر الـ 34، عندما قرر آنخل توريس رئيس خيتافي استقدام أبوندانزييري بعد مونديال ألمانيا.
وفي عامه الأول بإسبانيا، اهتزت شباك باتو 30 مرة خلال 37 مباراة، تاركًا خلفه فيكتور فالديس، وليو فرانكو، وإيكر كاسياس، وأندريس بالوب، وكلاوديو برافو، وسانتياجو كانيزاريس، وقائمة طويلة من مخضرمي الليجا.
الحارس المولود في مدينة سانتا في، كان الأرجنتيني الرابع فقط الذي يحظى بهذا التكريم.
2- الثوري
في النصف الآخر من الكرة الأرضية، إلى الشرق للغاية من مدينة سانتا في الأرجنتينية، في قلب دولة رومانيا، تقع مدينة تيميشوارا.
بقعة لم تشتهر بأي شيء تقريبا كما اشتهرت خلال الثلاثينيات والأربعينيات بصفتها مسقط رأس جوني فايزمولر، أول "طرزان" عرفته شاشات هوليوود.
وعندما أحكمت الشيوعية قبضتها على عنق رومانيا، ووصلت وحشية الديكتاتور نيكولاي تشاوتشيسكو إلى مداها الأقصى، آن لمدينة تيميشوارا أن تكتب تاريخها الحقيقي، ليس بفيلم ناجح لأحد أبنائها، وإنما بالثورة!
في ديسمبر 1989 انطلقت شرارة الثورة الرومانية من تيميشوارا، ورغم تكدس الميادين بالجرحى والوفيات جرّاء دفع تشاوتشيسكو بدباباته ومدرعاته القمعية، لم يقدر السيد ماريوس على منع ابنه كوزمين البالغ 14 عاما من الانخراط في هذه الثورة الدامية.
كوزمين كونترا، مُراهق يعشق كرة القدم ويمارسها كذلك، لم تمنعه حداثة عمره من إدراك أن بلاده على شفا تغير سياسي سيطول أيضا أغلب جنبات العالم الاشتراكي في نفس ذاك العام.
الفتى الذي عاش أعياد الميلاد في شتاء 1989 بكثير من الحبور بعد نجاح الثورة وإعدام تشاوتشيسكو وزوجته إيلينا؛ كان حاله مناقضا تماما بعد 18 عاما في شتاء 2007.
الظهير الأيمن لـ خيتافي، تلقى مكالمة لا تتكرر سوى مرة واحدة في العمر، عندما أخبروه أن والده ماريوس قد توفي.
كان كوزمان قريبا من الانهيار في تلك اللحظة، حتى اشتعلت ثورة جديدة.. ثورة خيتافي.. وبالطبع لم يكن ليفوّت المشاركة فيها.
3- الغجري
بعيدا جدا عن موضع رومانيا على الخريطة، في أقصى جنوب آسيا، بدأت جماعات كبيرة في مغادرة شبه الجزيرة الهندية، واستيطان مناطق متفرقة من العالم خلال القرن السادس الميلادي.
الغجر، أو شعب الروما في تسميتهم الرسمية، اعتادوا الارتحال باستمرار، يفضّلون التزاوج فيما بينهم، ولا يمانعون تحدُث لغة البلد التي يقطنونها، لكن حتما ستلحظ لكنتهم الخاصة، وغالبا لن تفهم أغلب كلامهم.
في منتصف القرن الماضي، تعرّض الغجر لتصفية عرقية من النظام النازي، مجازر جماعية طالتهم، والخسائر البشرية تُقدَر بمليون إنسان أو أكثر.
في السنوات التالية، تلقى الغجر معاملة عنيفة على المستويين الرسمي والشعبي، وفي تشيكوسلوفاكيا قررت الحكومة الحد من نسلهم، فنشرت العقم بين نسائهم.
في إسبانيا وحدها، يوجد مليون من شعب الروما تقريبا، أشهرهم على مستوى كرة القدم: خيسوس نافاس، والراحل خوسيه أنطونيو رييس.. وأيضا، بطلنا الغجري: داني جويزا.
وفي عمر السادسة والعشرين، كان جويزا مهاجما في طريقٍ مستقيم ليصبح نسيا منسيا.
بدأ في خيريز، ثم لعب لـ مايوركا، وأعير إلى دوس هيرماناس، وريكرياتيفو، وبرشلونة (ب)، ثم بحث عن ذاته في سيوداد مورثيا.
مسيرة متواضعة للغاية للاعب سبقته سُمعته في السهر والاحتفالات، وبات يذهب إلى تدريباته الصباحية مترنحا، هذا إذا حضر من الأساس.
محطته في مورثيا بين 2003 و2005 بالقسم الثاني لم تكن سيئة، وبدأ يعرف طريق الشباك بشكل غير متباعد، هذا لم يمنع مدربه وقتها، خوانما ليّو، من إطلاق تصريح سيلخص الجزء الأول من مسيرة جويزا: "الكثير من الطيور تحوم حول رأسه طوال الوقت".
عندما انتقل جويزا إلى خيتافي في الدوري الممتاز عام 2005، كان مفترضا أنها فرصة العمر للاعب قضى حياته متنقلا بين فرق مجهولة، لكن أوضاعه ازدادت سوءا.
في العاصمة مدريد، انبهر جويزا بأضواء المدينة، واكتشف عالما جديدا من الحياة الليلية، فتضاعفت الطيور حول رأسه.
انهارت حياته الاجتماعية، وانفصل عن زوجته في طلاقٍ عنيف كلّفه عدم رؤية ابنه لفترة طويلة.
بل ازدادت أوضاعه سوءا عندما أصيب بعدوى في المعدة، ليفرض عليه نادي خيتافي نظاما غذائيا يتكوّن من السوائل والأكل المهروس يوميا.
ثم ظهرت نوريا بيرموديز، وتوقفت كل هذه الفوضى!
عندما بدأ جويزا علاقته بـ نوريا عام 2006، كان مهاجمًا فاشلا في أفضل توصيف، لكن خلال عامين فقط، سيصبح مُخلّدا في تاريخ الكرة الإسبانية.
في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، اعتاد الشعب الإسباني أن يقضي أمسيته أمام التلفاز، لمشاهدة برنامج Crónicas Marcianas.
لعله أنجح وأشهر برنامج "توك شو" مسائي عرفته إسبانيا، خصوصا خصوصا، عندما أكملت نوريا بيرموديز إحدى حلقاته بملابسها الداخلية.
كان ذلك عندما وجدت صعوبة في تركيب المايكروفون على الهواء، فقررت خلع ثوبها، وشمّرت عن طاقم أسود من الملابس الداخلية، قفَز بنسبة المشاهدة إلى عنان السماء. (بعد التفكير، قررت عدم تدعيم الوصف بفيديو الواقعة لأن هذا التقرير عرف وسيعرف ما يكفي من مقاطع الفيديو التي قد تُعرضني للتوبيخ)
في تلك الفترة، كان من الصعب العثور على تعريفٍ مُحدد لمهنة نوريا في الحياة، نعم، مفهوم أنها عارضة، وتُسجل ظهورها في بعض البرامج بأدوار مختلفة، لكن، أين يكمن شغفها الحقيقي؟
كرة القدم، هذه هي الإجابة الصحيحة، وتحديدا ريال مدريد الذي امتلكت تذاكره الموسمية دائما، ووشمت شعاره في موضعٍ استراتيجي بجسدها، وعشقته للغاية، أو دعونا نكون أكثر دقة ونقول إنها عشقت لاعبيه للغاية.
نوريا لم تطبع صورهم وتعلّقها على حائط غرفتها، فهي لا تنتمي لهذا النوع من المشجعين، لنقل أنها تُفضّل الانخراط معهم بشكلٍ عملي أكبر.
ولن نبالغ لو اعتبرناها فردا أصيلا في فريق الجالاكتيكوس الذي كوّنه فلورنتينو بيريز خلال فترته الرئاسية الأولى، فقد زعمت ذات مرة أنها مارست الجنس مع نصف لاعبي ريال مدريد –على الأقل-، بمن في ذلك هوسها الأكبر: دافيد بيكام!
يروي الصحفي الإنجليزي سيد لو الخبير في الكرة الإسبانية وكواليسها، والمُقرّب من بيكام خلال فترته في ريال مدريد؛ أن نوريا اختبأت ذات مرة خلف شجرة وانتظرت مرور بيكام، ثم ظهرت فجأة في نفس اللحظة التي التقط فيها "باباراتزي" مأجور الصورة المُنتظَرة لـ "نوريا ودافيد".
وكأن هذا الجيل من لاعبي ريال مدريد كان في حاجة إلى مزيد من الأضواء خارج الملعب وبعيدا عن كرة القدم، حتى تُقذَف عليه هذه الكارثة البشرية.
لكن ودون سابق إنذار، قررت نوريا فجأة أنها استعرضت ثدييها بما يكفي، فبدأت في استغلال شغفها بكرة القدم بشكل مختلف، وتقدّمت لاختبارات الاتحاد الدولي حتى تصير وكيلة لاعبين مُعتمَدة.
وللمفاجأة، تبيّن أن جسد نوريا ليس سلاحها الأقوى، عندما حصدت درجة مرتفعة في هذا الاختبار هي الأعلى بين النساء على الإطلاق.
حصلت نوريا على رخصة مزاولة وكالة اللاعبين، وبدأت العمل على مشروعها الكبير، ليس إنجليزيًا ثريًا مُحاطًا بدزينة من الحراسة الخاصة، وإنما غجري يبحث عن الترويض، يُدعى داني جويزا.
فجأة، انفجر جويزا، وبعد أن سجل هدفا واحدا في الـ 13 مباراة السابقة لدخول نوريا حياته، سجّل 8 في الـ 13 مباراة التالية.
مدربه في خيتافي بيرند شوستر قال في إحدى المؤتمرات الصحفية: "منذ أن ارتبط داني بـ نوريا، بات ينام في موعده، ويحضر التدريبات وشكله لا يوحي بأنه بات ليلته أسفل جسر".
جويزا قاد انتفاضة خيتافي الذهبية، ثم تحوّل إلى مايوركا في الموسم التالي وتوج هدافا للدوري الإسباني برصيد 27 هدفا (اللاعب الإسباني الوحيد الفائز بجائزة بيتشيتشي في آخر 17 عاما)
اختبر جويزا السعادة داخل وخارج الملعب، وامتزجت حياته برائحة الياسمين، فأنجب من خليلته، وأعلن أنه سيطلب الزواج منها لو فاز مع منتخب إسبانيا بيورو 2008.
لكن يبدو أن جويزا وقع في خطأ قاتل، لأن ليس من الرجولة أن تربط خطوة الزواج بعوامل خارجة عن إرادتك، أليس كذلك؟
على أي حال، تحققت المعجزة، وفازت إسبانيا بالفعل بأول ألقابها الدولية منذ 44 عامًا، وجويزا لم يسعفه الوقت لطلب الزواج من نوريا.
في الأشهر التالية انهارت علاقتهما، خصوصا عندما توعّدت والدة جويزا بنحر عُنق نوريا، خلافات عائلية عرفت طريقها إلى الشاشات، وأدارتها الحماة الغاضبة بلكنة غجرية تركت نوريا عاجزة عن الرد.
انتهت علاقة جويزا بـ نوريا، وعاد المهاجم الغجري وفيًا لمستوياته المتوسطة التي عهدها في مطلع مسيرته، لتصير فترته في أحضان نوريا هي الجزء المضيء الوحيد في مسيرته.
في العصر الذهبي لـ خيتافي، اجتمع البطة والثوري والغجري في فريقٍ واحد، وعلى اختلاف أعراقهم وتجاربهم السابقة وخلفياتهم الاجتماعية، فقد توحدوا لتحقيق المعجزة.
المعجزة
في 2007، امتلك برشلونة في رصيده 24 لقبا لكأس ملك إسبانيا، أما خيتافي، فكان دور الـ16 هو أبعد ما وصل إليه الفريق.
ولذا، لم تتسم مواجهة نصف نهائي كأس 2007 بأي تكافؤ، فـ برشلونة بطل أوروبا يواجه ناديا كان قابعا في القسم الثالث قبل سنوات قليلة ومهددا بالزوال إلى أن اشتراه المُنقَذ آنخل توريس.
وصحيح أن خسارة الذهاب 2-5 في كامب نو لم تكن نتيجة مُرضية جدا لـ خيتافي، إلا أنها ليست مفاجأة كبيرة في الوقت نفسه.
في الواقع، لم يكن فارق الـ3 أهداف الذي تأخر به خيتافي هو أسوأ ما في الأمر، بل ما حدث في الدقيقة 29 عندما جعلهم ليونيل ميسي أضحوكة العالم.
اقرأ: هدف ميسيدونا.. عندما استغل ميسي وعكة مارادونا وانقض على عرشه
الهدف غطى على كل شيء، لدرجة أن أندريس إنييستا صرّح بعد المباراة: "هذه المباراة لم تعد نصف نهائي الكأس أمام خيتافي، بل سيذكرها الناس بصفتها مباراة هدف ميسي".
فيما انفجر شوستر مدرب خيتافي غيظا، لأن لاعبيه لم يعرقلوا ميسي وتركوه يتلاعب بهم لمدة 60 مترا تقريبا.
بعد 3 أسابيع، كان شوستر أكثر هدوءا خلال المؤتمر الصحفي الذي يسبق مباراة الإياب: "لقد تجاوزنا ما حدث في مباراة الذهاب".
"هدف ميسي أضرنا، لأنه انتشر بشكلٍ واسع على مستوى العالم، هذا كان الأمر الأصعب في الهدف، أن قميص خيتافي ولاعبيه يظهرون في هذا المقطع".
3 أسابيع بين المباراتين لم تكن مدة طويلة، لكنها كانت كافية حتى تزرع الأمل في نفوس خيتافي.
بشكل غير متوقع، بدأت إدارة خيتافي في حشد جماهيرها وتشجيع لاعبيها ليؤمنوا بالريمونتادا، وليس معروفا من أين أتى خيتافي بهذه الثقة، فالفريق المدريدي لم يهزم برشلونة أبدا قبل تلك المواجهة.
بل لن يكفيه الفوز من الأساس بأي نتيجة حتى يعبر إلى النهائي، وإنما يحتاج إلى الفوز بفارق 3 أهداف، دون أن يسمح لـ صامويل إيتو، ورونالدينيو، ورفاقهما بهز شباكه.
يقول خابي باريديس –أحد لاعبي خيتافي الذين تركهم ميسي خلفه- قبل مباراة الإياب: "الكوابيس لم تطاردني، أنام جيدا، نحن لسنا مهووسين بما فعله ميسي، لقد تعلّمنا من الدرس، وسنحاول إيقافه في مباراة الإياب".. كان ذلك قبل أن يقرر فرانك رايكارد استبعاد ميسي من مواجهة الإياب.
حتى اليوم، لم نصل إلى تفسير لسبب استبعاد ميسي في تلك المباراة، خصوصا بعد الأسبقية النفسية التي اكتسبها على حساب الزُرق في مباراة الذهاب.
من الوارد أن رايكارد تخوّف من فرض رقابة عنيفة على لاعبه الشاب، وفضّل عدم المغامرة به في مباراة تبدو شبه محسومة.
لكن أسبوع برشلونة السيئ بدأ قبل أيام من مواجهة الإياب، عندما انتصر ريال مدريد على إشبيلية في مباراة ملحمية بنتيجة 3-2، وقفز إلى المركز الثاني في الدوري الإسباني بفارق نقطتين عن برشلونة.
آنخل توريس، الذي هو عضو في ريال مدريد بالمناسبة، صرّح: "ريال مدريد وضع الضغط على برشلونة، وهذا في صالحنا".
"رأينا أشياء أكثر غرابة في كرة القدم".. هكذا رد ماريو كوتليو لاعب وسط خيتافي عندما سُئل عما إذا كانت الريمونتادا ممكنة أمام جيل خارق لـ برشلونة.
أما داني جويزا الذي سجل أحد هدفي خيتافي في الذهاب، فصحيفة "البايس" وصفته أثناء نقل تصريحاته بأن عينه بدت مثل الخنجر: "من الذي يشكك في الريمونتادا؟ لقد ضُيّق الخناق عليهم في الدوري. لو سجلنا مبكرا فسنقدر على إنجاز المهمة. نعم، يا رجل، نعم، إنهم غير معتادين على الدفاع، سنفوز 4-1".
حسنا، جويزا كان مخطئا، لأن خيتافي لن يفوز 4-1، وإنما 4-0!
المدرب شوستر ظل واثقا في خياراته، فواصل الاعتماد على الحارس الاحتياطي لويس جارسيا ببطولة الكأس رغم تلقيه 5 أهداف في الذهاب، مُبقيًا سيد حراس الليجا، أبوندانزييري، إلى جواره على مقاعد البدلاء.
وبنفس السياسة، ظهر ألبيرت جوركيرا في مرمى برشلونة على حساب فيكتور فالديس.
ورغم غياب ميسي، فتشكيل برشلونة لم يبد هزيلا أبدا، في وجود رونالدينيو، وإيتو، وتشافي، وإنييستا، وكارليس بويول، وجيانلوكا زامبروتا.
كانت هذه اختيارات المدربين، أما اختيارات آنخل توريس رئيس خيتافي، فتمثلت في ربطة العنق الخضراء التي يتفاءل بها، لأن خيتافي لم يخسر قط وهو مرتديها.
ملعب كوليسيوم ألفونسو بيريز كان ممتلئا في حدث نادر، وكان صاخبا للغاية، في مدرجاته، وعلى عشبه كذلك، لأن مهاجمي خيتافي هاجموا مرمى برشلونة بضراوة منذ اللحظات الأولى.
بدا برشلونة تائها، وفاز أفراد خيتافي في كل الالتحامات، لكن جويزا ضل طريق الشباك، والهدف الأول تأخر للغاية، الشوط الأول اقترب من نهايته، والشك كان في طريقه إلى عقول الزُرق، إلى أن انفجر الملعب صخبا بهدفٍ أول في الدقيقة 37 بتسديدة رائعة من خابيير كاسكيرو.
نتيجة مُرضية جدا لينهي بها خيتافي الشوط الأول، لكن زامبروتا فضّل أن يجعلها مثالية لأصحاب الأرض، فأخطأ في استقبال الكرة، وهيّأها بغرابة لـ جويزا الذي سجل هدفا ثانيا في الدقيقة 43 بهدوء شديد يعكس استقرار حياته الاجتماعية.
في الشوط الثاني ازدادت حملات خيتافي الهجومية شراسةً، وبدا في لحظة ما أن 11 لاعبا يتناوبون على الحارس المسكين جوركيرا الذي خذله زملاؤه.
في الدقيقة 70، اهتزت شباك برشلونة للمرة الثالثة أخيرا برأسية القائد فيفار دورادو، هدفٌ كان ذهبيا بالفعل لأنه وضع قدما لـ خيتافي في المباراة النهائية أمام إشبيلية.
أما القدم الأخرى، فجاء دورها في الدقيقة 73، عندما وجد جويزا نفسه في مواجهة كاملة مع جوركيرا، فحمل لواء الأقليات المُهمشة، وأطلق تسديدة صاروخية غاضبة سكنت شباك الضيف الهزيل.
ركض جويزا وكاد يمزّق قميصه أثناء احتفاله بالهدف، وجهه امتلأ بملامح الجنون، وعينه غرقت في الدموع، قبل أن يُدفَن أسفل عدد لا يُحصى من زملائه.
في الأعلى، بالمقصورة الرئيسية، رفع آنخل توريس رأسه ونظر إلى السماء، لا ندري فيما كان يفكر تحديدا، هل يتحسّر على منصبه الرسمي الذي منعه من الاحتفال صخبًا بأكثر لحظة سعيدة في حياته؟ أم إنه بدأ يصدق بالفعل بمساندة الأنبياء والرُسل لفريقه؟
"لو أرادوا تسجيل المزيد من الأهداف في شباكنا؛ لفعلوا ذلك" _كارليس بويول.
"شعرت بالعار في الملعب، تمنيت لو ابتلعتني الأرض. وبكيت بعد المباراة بسبب قلة حيلتي._صامويل إيتو.
مباراة القرن
في مارس 2008، أثناء معسكر منتخب الأرجنتنين بإحدى فنادق القاهرة، بدأ أبوندانزييري في استفزاز صديقه مارتين ديميتشليس مدافع بايرن ميونيخ.
لم ينشغلا كثيرا بمواجهة بلادهما الودية أمام بطل إفريقيا، بل انصب تركيزهما على المواجهة المرتقبة بين بايرن وخيتافي في ربع نهائي الدوري الأوروبي بعد أيام.
ووسط ضحكات زملائهما، قرر أبوندانزييري وديميتشليس المراهنة كل منهما على فريقه.
بدأ كل شيء في ليلة الريمونتادا التاريخية أمام برشلونة، فهذا الفوز الكاسح لم يصعد بـ خيتافي إلى نهائي الكأس فحسب، بل قاده للتأهل إلى أوروبا لأول مرة على الإطلاق.
خيتافي خسر النهائي 0-1 أمام إشبيلية في سانتياجو برنابيو، ولأن إشبيلية تأهل إلى دوري أبطال أوروبا من بوابة الدوري الإسباني، فقد طار خيتافي إلى الدوري الأوروبي.
لكن في صيف 2007، تعرّض خيتافي لضربتين قويتين، فمدربه التاريخي شوستر رحل لتدريب ريال مدريد، تاركا تركة ثقيلة لخليفته مايكل لاودروب. أما الضربة الثانية، فهي انتقال الهدّاف داني جويزا إلى مايوركا.
لكن تمثلت الأنباء السعيدة في شخصين حطا الرحال في خيتافي بذاك الصيف قادمين من ريال مدريد: روبين ديلا ريد، وإستيبان جرانيرو.
وصحيح أن خيتافي بدأ الموسم بانتصار واحد في أول 9 جولات من الدوري الإسباني، لكنه حقق مسيرة رائعة في الكأس ووصل إلى النهائي للعام الثاني على التوالي.
أما الشفيع الأكبر للمدرب الشاب لاودروب حتى يظل في منصبه رغم التخبط المحلي، فكانت مغامرة الدوري الأوروبي.
وصحيح أن هذا الجزء من التقرير مُخصص لمواجهة بايرن في ربع النهائي، لكن مغامرة خيتافي بدأت مبكرا للغاية عندما اضطر لخوض الأدوار التمهيدية أمام تفينتي الهولندي.
وفي مباراة ذهاب عصيبة، خطف النيجيري إكيتشوكو أوتشي هدفا قاتلا في الثواني الأخيرة، ليسافر خيتافي إلى هولندا بأسبقية 1-0.
مباراة الإياب كانت فلكية، فبينما كان تفينتي متقدما بهدف دون رد خلال الشوط الثاني، تحصّل أصحاب الأرض على ركلة جزاء، كانت كفيلة لحسم التأهل لو سُجلت، لكن باتو أبوندانزييري تصدى ومدد المباراة إلى وقتٍ إضافي كان أكثر جنونا.
خيتافي تحصل على ركلة جزاء في الشوط الثالث، أهدرها مانو دل مورال، لكن هذا لم يمنع خيتافي من التسجيل مرتين متتاليتين في الدقيقتين 101 و103 عن طريق بيلينجير، وجرانيرو، ليظن الإسبان أن بتقدمهم 2-1، و3-1 في المجموع، فقد ضمنوا التأهل.. لكن مزيدا من الإثارة النارية كانت في الطريق.
تفينتي سجّل هدفا ثانيا ثم ثالثا في الدقيقتين 117، و120، ليتقدم 3-2 ويكون على بُعد هدف واحد من الإطاحة بـ خيتافي.. لكن تراخي المدريديين لم يكلفهم غاليا في تلك الليلة، وإنما سيفعل بعد عدة أشهر.
واصل خيتافي حملته الأوروبية المبهرة، فتغلّب على توتنام هوتسبير في لندن بـ "كعب" رائع من براوليو نوبريجا.
ثم هزم أندرلخت البلجيكي، وأطاح بـ أيك أثينا اليوناني، وأزاح من طريقه العريق بنفيكا البرتغالي وهزمه ذهابا إيابا.
وعندما أقيمت قُرعة ربع النهائي، وقع خيتافي "سنة أولى أوروبا" في مواجهة بايرن ميونيخ أحد أسياد القارة المرعبين.
صدام غير عادل بالقياس التاريخي، لدرجة أن فرانتس بيكنباور رئيس بايرن ميونيخ صرّح بعد القُرعة: "توجب عليّ مطالعة الخريطة لأعرف أين يتواجد خيتافي".
في مباراة الذهاب على ملعب أليانتس أرينا، كان الوقت قد حان لـ أبوندانزييري، وصديقه ديميتشليس، حتى يستطلعا هوية الفائز بينهما برهان القاهرة.
في الدقيقة 26، تأخر أبوندانزييري في رهانه، عندما استقبلت شباكه هدفا برأسية الإيطالي المجنون لوكا توني.
حاول لاودروب العودة بـ خيتافي في المباراة بالشوط الثاني، فدفع بأوراقه الرابحة، وآخرها كان الروماني كوزمين كونترا بالدقيقة 78.
كوزمين في عُمر الأربعة والثلاثين كان يعيش موسما للنسيان، فقد أصيب لـ 4 أشهر طوال الدور الأول، وعندما بدأ التعافي، أتاه النبأ التعيس بوفاة والده، وكاد يحطمه.. لولا خيتافي.
في الدقيقة الأخيرة، خدع كوزمين مقاطعة بافاريا بأكملها، وسجّل هدفا ماكرا رائعا في شباك أوليفر كان، وأعاد خيتافي إلى إسبانيا بالتعادل 1-1.. ما رأيك الآن يا ديميتشليس؟ هل تهوّرت في رهانك؟ وهل عرف بيكنباور مكان خيتافي على الخريطة؟
بعد أسبوع حان وقت الإعلان عن المتأهل، وفي كوليسيوم ألفونسو بيريز، اكتشف خيتافي أن إسبانيا بأكملها خلفه.
حضر خوان كارلوس ملك إسبانيا في المقصورة، رفقة ولي عهده فيليبي السادس –العاهل الحالي-، ووزير الرياضة، ومحافظ مدريد، وعمدة خيتافي، ورامون كالديرون رئيس ريال مدريد، وإنريكي سيريزو رئيس أتليتكو مدريد.
وقعت المملكة بأكملها في حب قصة خيتافي الرومانسية بكل ما تحمله من كفاح فريق صغير لا سقف لأحلامه، هذا الملعب المتواضع في جنوب مدريد الذي ربما لم يعرف بوجوده سوى سكان المنطقة، تحوّل ليضم في جنباته أهم رجالات إسبانيا في ليلة أدرك الجميع أنها ستكون تاريخية.
أما الفكرة المبدئية لـ خيتافي، فكانت إبقاء المباراة دون أهداف لأطول فترة ممكنة، فالتعادل 0-0 سيضمن صعوده.
لكن 4 دقائق و20 ثانية فقط كانت كل ما مر من المباراة، عندما انهار العالم على رأس لاودروب مدرب خيتافي.
السويسري ماسيمو بوساكا أشهر بطاقة حمراء في وجه ديلا ريد بعد عرقلته ميروسلاف كلوزه، وحَكم على خيتافي باللعب بـ 10 لاعبين لـ 85 دقيقة كاملة!
تبعثرت كل الحسابات، فاضطر لاودروب إلى إخراج مهاجمه أوتشي، وتعويضه بقلب الدفاع بيلينجير، وانتظَر المجهول.
شوط أول كان عصيبا على خيتافي قضى أغلبه في وسط ملعبه، حتى قرر الروماني كوزمين كونترا أن يسجل أجمل أهداف مسيرته، فتسلّم الكرة بالقرب من منطقة جزائه، وانطلق بشجاعة ثورية فائقة متخطيا كل من قابلهم من عمالقة بايرن، قطع الملعب بطوله بسرعة جنونية، ثم أنهى الهجمة بتسديدة في سقف المرمى دفعت أوليفر كان إلى السقوط بنفس الهيئة التي سقط عليها تشاوتشيسكو يوم إعدامه.
هدفٌ سُجل قبل نهاية الشوط الأول بدقيقة واحدة، وأكد تقدُم خيتافي في مجموع المباراتين، وهدد بإفساد الموسم الأخير لـ أوليفر كان الذي سيعتزل بعد أسابيع قليلة.
في الشوط الثاني استمات أفراد خيتافي، دافعوا بكل قواهم عن الهدف الذي سيأخذهم إلى نصف نهائي أوروبا في ليلة مطيرة وعصيبة.
لكن دقيقة واحدة فقط كانت كل ما تبقى من المباراة، عندما صعق فرانك ريبيري أُمة بأكملها، وأطلق تسديدة رائعة على الطائر عادَل بها مجموع المباراتين.
خيتافي لم يفرّط في التأهل الذي كان على بُعد ثوانٍ فحسب، بل كتب على نفسه خوض 115 دقيقة في المُجمل بـ10 لاعبين!
ولكي يثبت خيتافي مرة جديدة أنه لا يعترف بالمنطق، فقد انتظر 50 ثانية فقط بعد بداية الوقت الإضافي، حتى يتقدّم في النتيجة بهدف ثانٍ سجّله كاسكيرو الذي لا يسجل سوى الأهداف الرائعة.
فكما أعطى قُبلة الحياة لـ خيتافي بتسديدة على الطائر افتتح بها التسجيل أمام برشلونة قبل عام، عاد كاسكيرو ليضخ الدماء في وجه القيادة السياسية لإسبانيا بتسديدة بعيدة المدى أمام بايرن.
وبينما حاول الألمان استيعاب هذا الكابوس، لدغهم خيتافي بهدفٍ ثالث بعد دقيقتين عن طريق براوليو قاهر توتنام.
خيتافي 3، بايرن 1، قبل 24 دقيقة من نهاية الوقت الإضافي، أو لنقل قبل 4 دقائق من نهاية الوقت الإضافي، لأن خيتافي حافظ على هذه النتيجة حتى الدقيقة 116، عندما ارتكب البطة جريمته الشنعاء.
يقول بيلينجير عن الواقعة: "بدت تمريرة مثل الـ 67 تمريرة طولية السابقة التي أرسلها بايرن ميونيخ نحو منطقة جزاءنا، لم تكن خطيرة، ولكن...".
أما زميله مانويل تينا مدافع خيتافي فيتذكر حادثة الدقيقة 116 بمرارة أكبر: "البطة صرخ فينا أن نترك له الكرة، صوته كان واثقا للغاية، فقد كانت كرة سهلة، لدرجة أنني أعطيته ظهري ولم أر ما حدث، عندما التفتُ مجددا، كان لوكا توني يخرج من المرمى حاملا الكرة في يده!".
ما حدث أن أبوندانزييري دون أي ضغط أو مضايقة، فشل في التقاط كرة روتينية لعله أمسكها ألف مرة في مسيرته دون مشاكل، لكن لسوء حظه في تلك الليلة، كان لوكا توني على بُعد متر واحد، واحتاج إلى لمسة واحدة ليعاقبه، ويعيد بايرن إلى المباراة.
لم تكن نهاية العالم لـ خيتافي، لأن نهاية العالم ستحل في الوقت بدل الضائع، عندما قفز لوكا توني لمقابلة عرضية خوسيه إرنستو سوسا.
وبطول فارع يبلغ 193 سم، لم يرتفع توني عن مدافعي خيتافي فحسب، بل ارتفع عن الكرة نفسها، وضربها من وضعية غير مريحة، لتصطدم في الأرض، وترتد مُستقرةً في سقف مرمى أبوندانزييري، قاتلةً حلم خيتافي.
يقولون إن ماري كارمن العضوة رقم 82 في خيتافي، ورئيسة رابطة دونيا روميرا، بكت بحرقة كما لم تبك أبدا بعد هدف لوكا توني القاتل، دموع شاركها فيها كل سيدات الرابطة الثلاثين.
بمجرد أن استأنف خيتافي اللعب، أطلق بوساكا صافرة النهاية، معلنا عن تأهل بايرن ميونيخ إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي.
وعلى الفور، انهار أبوندانزييري، سقط البطة أرضا، أخفى وجهه في قميصه، اختبر لحظته الكروية الأسوأ بعد 15 عاما في ملاعب كرة القدم.
ليتوجّه إليه صديقه ديميتشليس لمواساته، بالطبع لم يجرؤ مدافع بايرن على مطالبة باتو بقيمة الرهان الذي خسره بفعل يديه.
أما أوليفر كان الذي كان يلهث كمن يحتضر بعد أن أنهكته المباراة المجنونة، ورغم عدم اتسامه بكثير من العاطفة في أرض الملعب عادةً، لكن غريزة حارس المرمى دفعته للتعاطف مع سانتياجو كانيزاريس قبل 7 سنوات، وهي نفس الغزيزة التي ستجد سببا أقوى للم شتات باتو المُبعثَر.
على الخط الجانبي للملعب، وقف المخضرم أوتمار هيتسفيلد مدرب بايرن يتأمل ما حدث، ويسترجع أين رأى هذا المشهد من قبل، اضطر إلى العودة بذاكرته 9 سنوات إلى الوراء، وقتما كان مدربا لـ بايرن في نهائي دوري أبطال أوروبا 1999 أمام مانشستر يونايتد.
هيتسفيلد صرّح بعد الإطاحة بـ خيتافي: "لم نستحق التأهل اليوم".
"خيتافي لعب 120 دقيقة بعشرة لاعبين، ورغم ذلك تفوّق علينا، لقد تخطوا كل الحدود وكانوا على بُعد لحظة من إذلالنا. أشعر أن الطرد أطلق قوى خيتافي، وشلّنا نحن".
أما أوليفر كان، فـ "لم يعان بهذا القدر خلال أي مباراة طوال مسيرته" على حد قوله بعد اللقاء.
"لقد لعبوا مثل المجانين".. هكذا عقّب أفضل لاعب في المونديال الآسيوي.
ديميتشليس بدوره لم يبد سعيدا للغاية بالفوز بالرهان بهذه الطريقة: "لم أستطع مساعدة باتو كثيرا، كان متأثرا للغاية".
أما باتو، فلم يختبئ، وأظهر وجهه للصحفيين بعد المباراة في شجاعة كبيرة: "لقد تعرّضت لآلاف المواقف خلال مسيرتي، منها الجيد وفيها السيئ، في كوبا ليبرتادوريس ومع المنتخب، لكني اليوم تعرضت لصفعة قوية"
"لم أتوقّع أبدا الإخفاق في الإمساك بكرة مماثلة".
"رأيت الكرة مُقبلة من مسافة، وحاولت الانحناء عليها بصدري أثناء الإمساك بها. فجأة، لم أعرف ما حدث، الكرة كانت في يدي ومن ثم اختفت، لم أجد الكرة في يدي!!".
"حارس المرمى يكون معرضا دائما للجحود، لأن أخطائه لا تُغتفَر، بعكس الحال مع لاعبي الوسط مثلا. دي لاريد تحصّل على بطاقة حمراء بعد 4 دقائق!".
في غرفة خلع الملابس، حاول لاودروب التماسك، ووقف رافعا رأسه وسط لاعبيه، وقال لهم: "أعلم أن هذا صعب عليكم الآن، لكن غدا ستدركون أنكم صنعتم أمرا مذهلا".
صحيفة "موندو ديبورتيفو" وصفتها بـ "مباراة القرن الأخرى"، وشبّهت أحداثها بمباراة إيطاليا وألمانيا الغربية في نصف نهائي مونديال 1970، المواجهة المعروفة بـ "مباراة القرن العشرين".
في المدرجات، كان الطفل هوجو ابن التسع سنوات يغني بحماس طوال المباراة، فقد وُلد وعاش حياته بأكملها في خيتافي، لم يعرف ناديا آخر لتشجعيه.
Me acuerdo y mucho.. no lo he pensado tan bien como aquel dia viendo jugar al Getafe y no había llegado a casa con tantas lágrimas después de ver un partido de futbol pic.twitter.com/CK2VyX8W8o
— Hugo Duro (@hugoduro14) April 10, 2018
لكنه عاد إلى منزله مُحملا بقدر من الدموع لم يختبره أبدا في أي مباراة أخرى طوال حياته.
بعد 10 سنوات، في 17 مارس 2018، استدعى خوسيه بوردالاس مدرب خيتافي أحد بدلائه، ودفع به خلال مواجهة ريال سوسيداد بدلا من القائد خورخي مولينا.
17 عاما كانت الفارق في العمر بين مولينا، وبديله الذي عوضه، بديله الذي يُدعى هوجو دورو، الطفل الذي عاد إلى منزله غارقا في دموعه بليلة بايرن المشؤومة.
ليتحوّل هوجو من مُشجع لـ خيتافي في عصر المعجزات، إلى لاعب لـ خيتافي في عصر الانتصارات القذرة.
عصر الانتصارات القذرة
أخيرا، بعد 10 سنوات بعيدا عن الدوري الممتاز، نجح ديبورتيفو ألافيس في الصعود مجددا إلى الليجا بصيف 2016.
إنجازٌ غير متوقع خصوصا أن الفريق تواجد في القسم الثالث قبل 3 مواسم، واحتل مركزين متأخرين في الموسمين السابقين لصعوده إلى الدوري الممتاز.
وكيف استعدت إدارة ألافيس للدوري الممتاز؟ أقالت المدرب الذي قاد حملة الصعود الناجحة!
خوسيه بوردالاس، رأت إدارة ألافيس أنه مدرب جيد، ولكنه ليس جيدا للغاية حتى يقود الفريق الباسكي بين الكبار، خصوصا أنه لم يسبق له التدريب أبدا في الدوري الممتاز.
ولذا، فقد قضى بوردالاس الأسابيع التالية لأهم إنجاز في مسيرته التدريبية؛ عاطلًا!
وبينما جلس في منزله محروما من حق التمتع بإنجازه مع ألافيس، أتته مكالمة استنجاد غير متوقعة.
خيتافي الذي تركناه ندا لـ بايرن ميونيخ في 2008، عاش لحظته الأسوأ في 2016 بهبوطه إلى القسم الثاني، وهناك، لم يفز سوى مرة واحدة في أول 7 جولات، واحتل المركز قبل الأخير.. خيتافي كان في طريقه إلى القسم الثالث!
تملّك الجنون من آنخل توريس، رأى الهرم الذي شيده طوال سنوات ينهار بالكامل، لم يدر إلى أي حد يمكن أن تأخذه هذه النكبة.
لكن بعدما تولى بوردالاس المهمة، لم يخسر خيتافي سوى مرتين في الـ 18 مباراة التالية، وتسلّق جدول ترتيب القسم الثاني برشاقة بالغة، حتى اقتحم المراكز الست الأولى، وبدأ منافسة عنيفة على الصعود.
خيتافي كان قريبا للغاية من حسم التأهل المباشر بالفعل لولا تفريطه في 4 نقاط بالجولات الثلاث الأخيرة، لكنه أحسن استغلال المُلحق، وحجز المقعد الثالث للصاعدين، ليسجل عودة مباشرةً بعد موسم واحد من هبوطه.
ليكون المدرب بوردالاس قد نجح في الصعود بفريقين مختلفين لعامين متتاليين، لكن إدارة خيتافي كانت أكثر وفاءً من سابقتها، وسمحت له بتنفُس هواء الليجا لأول مرة.
وبوردالاس لم يخذل إدارته، فقاد خيتافي للمركز الثامن، ثم الخامس (صعد بالفريق إلى أوروبا للمرة الثالثة في تاريخه).
وفي الموسم الحالي، تحوّل خيتافي من فريق ممتاز إلى فريق مرعب، وقضى أغلب فترات المسابقة في المربع الذهبي في طريقه للتأهل إلى دوري أبطال أوروبا لأول مرة على الإطلاق.
ليتضح أن إدارة ألافيس عندما أقالت مدربها المغمور قبل عدة أعوام، فإنها فرّطت في عصا سحرية.
بوردالاس المُلقَب بـ "الروماني"، يعشق الإمبراطورية الرومانية وتاريخها، ويتحدث دوما عن انبهاره بهذه القوة التي ظهرت من العدم وفرضت سيطرتها على كل جنبات العالم القديم.
ولا تبدو قصة خيتافي مع بوردالاس مختلفة كثيرا عن إسقاط روما للمملكة تلو الأخرى قبل عدة قرون.
وبوردالاس ليس مدربا اعتياديا، بل إنه عصبي للغاية، يكاد يركل لاعبيه لو توقفوا عن الركض أو خالفوا تعليماته، صارم جدا، وعنيف في تعليماته.
يقول لاعبه السابق خوان كالا: "بوردالاس يتعامل مع كل مباراة وكأن حياتنا متوقفة عليها، لو لم نفز فإنها كارثة محققة".
ولأن الحياة تتوقف على كل مباراة، فـ بوردالاس غير معني تماما بالطريقة التي يحقق بها انتصاراته.
يأمر بعدم قص عُشب ملعب كوليسيوم ألفونسو بيريز، ويحرص على جعله جافا للغاية، يطلب من جامعي الكرات عدم المساعدة في استئناف اللعب سريعا عندما يكون خيتافي متقدما، ويسمح للاعبيه بارتكاب أي قدر من المخالفات.
خطة بوردالاس الأساسية هي منع الفريق المنافس من لعب كرة القدم، والتفوق عليه في كل الصراعات الثنائية.
وعندما يمتلك خيتافي الكرة؟ لا وجود لمفهوم البناء من الخلف، بل كرة طولية إلى الأمام نحو القائد خورخي مولينا القوي للغاية في ألعاب الهواء، تكفي للتحوّل الهجومي لـ خيتافي.
يسجل خيتافي أغلب أهدافه بواسطة الهجمات المرتدة، والكرات المقطوعة من مدافعي الخصم، والفوز بالكرة الثانية بعد أي تمريرة طولية.
وبالتالي لا يحظى فريق خيتافي بأي شعبية تقريبا خارج حدود كوليسيوم ألفونسو بيريز. ويُفضّل بوردالاس أن يُنعَت بصفات الشر واللعب القذر، طالما أن النقاط الثلاث ستستقر في جيبه بنهاية اليوم.
لكن تجربة خيتافي تمتلك أوجها أخرى تدعو للتعجب بالطبع، فهذا الفريق الذي تفوّق على أغلب فرق إسبانيا (معظم مباريات خيتافي التي يخسرها أمام الفرق الكبيرة يكون هو الطرف الأفضل فيها)، يمتلك ميزانية ضئيلة بالمقارنة مع المركز المتقدّم الذي يشغله.
فعلى لائحة ميزانية الرواتب لأندية الدوري الإسباني، يحتل خيتافي المركز 12 بـ 56 مليون يورو تقريبا، أقل بـ 11 مرة من برشلونة وريال مدريد.
وفوق ذلك، يمتلك خيتافي ميزانية مرتبات أقل من أندية تصارع على الهبوط مثل إسبانيول وسيلتا فيجو.
وصحيح أن خيتافي أقل فرق الدوري الإسباني إكمالًا للتمريرات الصحيحة، لكنه في الوقت نفسه لا يمتلك توني كروس وسيرخيو بوسكيتس في صفوفه.
بل نجح بوردالاس في تحقيق نهضته مُعتمدًا على لاعبين مجهولين، أغلبهم لم يكن قد لعب في الدوري الإسباني من قبل حتى.
فالقائد مولينا (37 عاما) كان يستعد لإنهاء مسيرته عندما ترك ريال بيتيس وانتقل إلى خيتافي في القسم الثاني، ليتبيّن أنه سيعيش أفضل سنوات مسيرته بالعاصمة مدريد.
أما خايمي ماتا (31 عاما) فقضى مسيرته بأكملها في فرق مجهولة حتى اشتراه خيتافي مطلع الموسم الماضي، وخلال عدة أشهر انضم إلى منتخب إسبانيا.
مصير مشابه لـ آنخل رودريجيز (32 عاما) الذي خاض تجارب قليلة ومتواضعة في السابق بالدوري الإسباني، قبل أن يصبح هدفا مُحتملًا لـ برشلونة في فبراير الماضي لتعويض عثمان ديمبيلي.
وواحدة من نقاط تفوق خيتافي الكاسحة –بخلاف المخالفات والبطاقات الملونة-، فهي ندرة إصابات لاعبيه العضلية، وتمتعهم بلياقة بدنية متوحشة.
فخلال الموسم الماضي، تعرّض أتليتكو مدريد لـ 47 إصابة عضلية مختلفة، وريال مدريد لـ 32، وبرشلونة لـ 27، أما خيتافي، فقد أصيب لاعبوه 8 مرات فقط!
وبينما يقدّم خيتافي أفضل مستويات في تاريخه، لم يكن هذا كافيا حتى تمتلئ مدرجات خيتافي، فما رأيكم لو استكشفنا الحملة الدعائية الأخيرة لاقتناء التذاكر الموسمية؟
Getafinder
اسحب إلى اليمين للإعجاب، واسحب إلى اليسار للتجاوز. لو نلت إعجابا من الشخص المقابل، سيسمح لكما تطبيق Tinder بالمراسلة، ولما لا؟ تبادل الهواتف والخروج سويا لتكتشفا أنكما شخصان مملان، فلا تكرران التجربة مرة أخرى.
في موسم 2015\2016، جلس آنخل توريس (المُشرف على الدعايا وليس الرئيس) يفكر في طريقة مبتكرة لزيادة عدد المشجعين في المدرجات.
فرغم إنكاره، كان توريس متيقنا من داخله أن حملة الأنبياء فشلت فشلا ذريعا، وتأثيرها الوحيد أنها نفّرت قطاعا عريضا من المتدينيين عن خيتافي.
كما اكتشف أن حملة الحيوانات المنوية لم تأت بثمارها المرجوة، فالطفل نتاج التلقيح يتبع عادةً العقيدة التشجيعية لوالديه الحاضنين، ولذا فقد كانت مسألة التبرع عبارة عن إهدار للمخزون العام لمشجعي خيتافي.
هذه المرة، قرر توريس أن يكون أكثر دقة، سيتمسّك بكل حيوان منوي أزرق ولن يسمح له بالالتقاء مع البويضة الخاطئة.
هذه المرة، سيجعل التزاوج داخليًا، بين جماهير خيتافي، وبالتالي سيكون الطفل الناتج عن هذا التزاوج، مشجعا أزرق حقيقيا، سيحضر إلى كوليسيوم ألفونسو بيريز قبل أن يتعلم الكلام، فاللون الأزرق يجري في حمضه النووي.
لكن، كيف لـ توريس أن يوقع مُشجع خيتافي في شباك مُشجعة خيتافي؟ فهل سيستوقف المرء كل امرأة يقابلها في الشارع ليسألها عن انتمائها الكروي قبل أن يقرر الإعجاب بها؟ ليس منطقيا.
وهنا، لمعت عين توريس بفكرة عبقرية، لن يضطروا إلى البحث عن شريك حياتهم، لأنه موجود على بُعد عدة مقاعد، في كوليسيوم ألفونسو بيريز!
على الفور، أطلق خيتافي تطبيقا يُدعى Getafinder لا يعمل سوى في محيط ملعبه، وجعل من مبارياته ملتقى تعارف كبيرا، لو وصلك إشعار Matching مع فتاة أحلامك، فستحتاج إلى التحرك عدة أمتار فقط للالتقاء بها.
ويذهب الإعلان الترويجي للتطبيق أبعد من ذلك، ويفتح الطريق لمشجعيه نحو التزاوج في دورات المياه الخاصة بالملعب، لتسريع عملية الإنجاب.
في نفس ذلك الموسم، هبط خيتافي للمرة الوحيدة في تاريخه. فلعل فكرة المضاجعة في مراحيض الملعب لم تساعد الفريق كثيرا حينها، لكن بعد 9 أشهر من هبوطه.. عاد خيتافي مجددا، أقوى من أي وقت مضى، وأكثر عددًا كذلك.
مصادر: