كتب : إسلام مجدي | الأربعاء، 05 يوليه 2017 - 17:56

الصاعد الواعد ذو الـ30 ربيعا

الصاعد الواعد ذو الـ30 ربيعا - تصميم عبد الرحمن عمرون

نسمع دوما تلك الجملة سواء من الجماهير أو بعض المعلقين :"الصاعد الواعد سعد الدين سمير، الموهوب الصاعد حسام عاشور". تتكرر تقريبا في كل موسم منذ ظهور اللاعب لأول مرة والأمر ذاته حدث مع عمر جابر نجم الزمالك السابق.

يجب أن نتذكر أن هناك فجوة زمنية وقعنا بها ولم ندرك بعد أن مواهبنا لم تعد شابة أو صاعدة واعدة، فترة الثورة وما تلاها من أعوام وإلغاء مسابقة الدوري المصري مرتين كل ذلك يحسب من عمر اللاعب أيضا، هناك أجيال تلاشت خلال تلك الأعوام ومن كان عمره 22 أو 23 عاما أصبح في الـ30 من عمره فجأة.

بإمكاننا أن نفكر في مثال أخر هو محمود عبد الرازق "شكيابالا" نجم الزمالك، لا شك أبدا فيما امتلكه من موهبة فذة، وسرعة وقوة، مع اعتزال حازم إمام أسطورة الفريق حدث تسارع شديد في عملية ظهور شيكابالا، ليتحول من موهبة تحتاج لرعاية لكي يصبح نجم الفريق الأول، إلى النجم الذي يجب أن يصبح رجل الفريق الأول، وبالتالي حدث له ما كان، ولم يصبح تلك الأسطورة التي كان الزمالك ينشدها.

تتكرر تلك الجملة مرارا، ويظل الناشئ في مصر صاعدا وواعدا وابن النادي وموهبة فذة حتى سن الـ30 عاما، لا مجال لتطوره، يصبح بطلا إن سجل هدفا واحدا هاما ونتناسى سريعا عدة عمليات هامة لتطوير موهبته فيظل كما هو يلعب ما يقرب من الـ12 عاما بنفس القدرات ونفس المهارات ونفس كل شيء، دون أن يطور ما لديه من موهبة.

تبدلت سياسة كل من الأهلي والزمالك في الفترة الأخيرة كثيرا، فبعد أن كانت أندية تعد الوجهة المثالية والأهم لأي لاعب في الدوري، تحولت ربما إلى ما يشبه وجهة مستحبة أقل درجة مما كانت عليه في الماضي.

وبعد أن كانت هناك مواهب كثيرة تظهر على الساحة، أصبحنا نعيش حالة صعبة، وإن ظهرت موهبة على الساحة نظل دوما نتغنى بما تمتلكه من قدراته فقط لأن المواهب فقيرة.

يتعامل العديد من مشجعي الكرة والإعلاميين وحتى الأندية والمدربين مع العديد من المواهب على أنها صاعدة واعدة طيلة الوقت، وبالتالي تتحول الموهبة إلى وظيفة تقليدية يؤديها اللاعب.

إضافة إلى ذلك، المساحة الكبيرة لتطوير الموهبة ليست متواجدة في الأهلي أو الزمالك بما يكفي، مع الضغط والمطالبات بالفوز بالألقاب والخوف من المغامرة، نجد أن أندية بعينها أصبحت تتعامل بطريقة إنتاجية مع الناشئ.

بما أن الأهلي والزمالك أصبحوا ما يشبه المستهلكين، فالبعض شكل سوقا.

على سبيل المثال الأهلي لديه رباعي متميز للغاية، أكرم توفيق وأحمد رمضان وفوزي الحناوي وأحمد ياسر ريان والزمالك لديه أحمد فتوح وأخرين، لكن تطوير هؤلاء الشباب يحتاج لدمجهم مع الفريق الأول ومنحهم فرصة حقيقية وشعور أكيد أن بإمكانهم القدرة على إزاحة لاعب في الـ25 من عمره وعنصر أساسي والمشاركة بدلا منه، ذلك يمنحه الثقة.

تحدث أرسين فينجر مدرب أرسنال وأفضل من تعامل مع مواهب فريقه على مر السنين قائلا :"أنت تحدد موهبة الناشئ ومستواه الفردي في التدريبات، ثم تقارنه بما لديك من لاعبين اعتدت الاعتماد عليهم في مسابقة الدوري".

وأضاف "حينما ترى أن بإمكانه فعليا أن يقدم ما يجعله مناسبا للمشاركة وسيضيف إليك وتمنحه الثقة، ستسأل نفسك هل هو مستعد؟ هنا يجب أن تمنحه فرصة وتقيم عليك أن تكون شجاعا لتجني الثمار".

واستطرد "إن استمريت في التساؤل ثم في لحظة دفعك للإجابة بنعم هو جاهز الآن، عليك أن تدفع به وتدمجه في الفريق، يجب أن تكون شجاعا مع مواهبك".

وأردف "أليكس إيوبي انضم للفريق وهو في الثامنة من عمره، هذا يعني أن النادي يعني للأطفال شيئا ما، يعني أنه خلال الأعوام العشرة المقبلة قد يشارك، قد يحقق حلمه".

وأتم "ما ستمتلكه فعليا، لاعبون يحملون قيم النادي لأجيال، وهو أمر حيوي بالنسبة لي، يفهمون ما يعنيه النادي".

استنادا إلى ما سبق، يجب عليك أن تكون شجاعا بما يكفي للدفع بموهبة وتطويرها، أحمد حسام "ميدو" مدرب وادي دجلة أعلن في وقت سابق عن أن فريقه سيخوض ما تبقى من مباريات الدوري بالناشئين.

وأيضا لدينا مصر للمقاصة الفريق الذي أصبح يمتلك منظومة قادرة على تطوير المواهب، وبكل تأكيد ستصبح وجهة منشودة للمواهب الصغيرة مثلما كان المقاولون العرب وإنبي في فترة من الفترات، وهناك الإسماعيلي ومدربه أبو طالب العيسوي الذي أعلن أيضا أنه سيخوض عدد من المباريات بالناشئين، ناهيك عن المدرسة الكروية التي أخرجت مواهب شابة للكرة المصرية في كثير من الأوقات.

نعود إلى الموضوع الرئيسي لنجد أن سعد الدين سمير صاحب الـ28 عاما ومدافع الأهلي ومنتخب مصر لازال يطلق عليه الموهبة الصاعدة والصاعد الواعد.

ظهرت موهبة رمضان صبحي في وقت مهم للكرة المصرية بدأه عصر احتراف، لا شك من أنه من أهم اللاعبين، لكن إلى اليوم لم يثق الأهلي في موهبة فوزي الحناوي أو أحمد ياسر ليتم تصعيدها وتكرار التجربة.

الأمر ذاته مع احتراف عمر جابر مع الزمالك، فتوح ظهر وسجل حضوره بأداء متميز لكنه لم يحصل على الثقة الكافية بعد.

ويوجد مثال أخر قريب حتى وإن كان صفقة، أحمد الشيخ الذي انضم من المقاصة إلى الأهلي، حينما حصل على فرصته مع النادي الفيومي أصبح من هدافي الدوري.

بإمكاننا النظر إلى منتخب إنجلترا على سبيل المثال والمواهب الإنجليزية، إن ظهرت أية موهبة فهي تتلاشى في غضون أعوام قليلة إلا ما ندر.

امتلاك موهبة هو أمر رائع لكن هي بحاجة للكثير من العمل والجهد حتى تصبح في مصاف النجوم، لكننا نتعامل مع الموهوب على أنه نجم كبير خاصة وإن كان يرتدي قميص الأهلي أو الزمالك وتلك أزمة بجانب وضع الضغوط على اللاعب الشاب فأنت تضعه مباشرة على طريق الفشل بيديك.

جيرارد هولييه مدرب ليفربول السابق ناقش مشكلة التعامل مع المواهب قائلا :"امتلاك لاعب ذو موهبة يخلق لك كمدرب مشكلة، لأنك عليك أن تعتني بهم في عدة جوانب لكي يصبحوا نجوما، لكن الصحافة تجعلهم نجوما منذ الوهلة الأولى، لا ألومهم بل ألوم من يجعلهم يستمعون لما يقال، لأن الكل سيتحدث، قد يقال عنك أفضل لاعب في العالم، لكن عليك أن تثبت ذلك في الملعب، قد تكون أمهر من لمس الكرة، لكنك لا تمتلك صفات النجم وبالتالي تنتهي مبكرا".

ما يقصده فعلا هنا هو أنك أكثر اللاعبين موهبة في فريقك يشعرون دائما بالمسؤولية تجاه الأداء وأن الأضواء مسلطة عليهم عن بقية الفريق، وبالتالي يخلق لك ذلك أزمة، هناك لاعب يفكر دائما وعليك أن تعزله عن كل تلك الضغوط.

نتجاهل دائما حقيقة أبرزها لوري ماكمينمي مدرب نادي ساوثامبتون سابقا أن أكثر اللاعبين موهبة هم أكثرهم تعرضا للقلق، وأيضا أكثرهم تعرضا لخطر الإهمال.

إن كنت مدربا وأهملت اللاعب فهو لن يكترث لما لديه من موهبة ولن يتطور يوما.

قال ماكمينمي :"عليك أن تساعد هؤلاء الشباب على تخطي مخاوفهم، هم عادة يبنون ثقتهم من خلال المشاركة بصفة مستمرة والحصول على ثقة من خلال قدرة المدرب على تقديم الدعم اللازم".

لا عجب أن فريق ساوثامبتون قدم مواهب عدة للكرة البريطانية مثل جاريث بيل ولوك شاو وناثانيال كلاين وغيرهم، لكن الخطوة التالية في مسيرة أي موهوب في مصر منقوصة دائما، نظل نردد أنه صاعد وواعد نتجاهل أنه يجب أن يتطور ويقاتل ويقدم أفضل مما قدم ونظل نحتفي بلقطة أو موسم جيد قدمه طيلة مسيرته بحجة أنه يحب شعار النادي، وحب النادي يجب ألا يعترض أبدا مسيرة وتطور اللاعب وإلا سيكون حبا من طرف واحد وسيرحل في نهاية المطاف وينسى أيضا.

مشكلة الموهبة المصرية أننا لا نعتني أبدا بالجانب النفسي لها، ونعتني دوما بجعلها محط للأضواء والشهرة، ونتنافس على من له موهبة أفضل من الأخر رغم أنهم جميعا يجب أن يصبوا في مصلحة المنتخب في النهاية فهي الأولى والأهم.

وأهم ما يجب أن يفهمه القائمون على تطوير المواهب في مصر هو ما الذي يجعل اللاعب الموهوب يتألق؟ وما يجعله يتوقف عن ذلك؟ بإمكاننا وضع أكثر من 100 مثال هناك في إنجلترا جو كول وجاك ليفرمور وديفيد بينتيلي وغيرهم.

تحويلهم السريع من مجرد لاعب موهوب بحاجة للتطوير وصقل موهبته وإضافة أحمال بدنية وأشياء أخرى إليه لنجم كبير ينتظر منه الكثير قد يضر به، ويحصل على لقب صاعد واعد حتى يصبح في الـ30 من عمره ينتظر منه تقديم المزيد وإن أخطأ فتتم محاكمته ويظل حتى يعتزل ينقصه الكثير من الأشياء ونظل نتساءل، ما الذي حدث لموهبته؟ لماذا تراجع بهذا الشكل؟ دون إدراك أن تلك الموهبة كان بإمكاننا معاملتها بصورة أفضل لجعله نجم فريقه الأول وإضافة لمنتخب مصر.

إن أردنا تطوير الموهبة، علينا أن نكون أكثر ثقة، أن يشعر اللاعب أنه قد يكون أساسيا، أن نجعله يشعر بقيمة ما يمتلكه حتى يكون نفسيا قادرا على تطوير ما لديه، مع الوضع في الاعتبار أن نحصنه مما سيسمعه حتى يصل لما هو أفضل مما حقق، لا مانع من أن تستهلك وتضم لاعبين طالما أن لديك القدرة، لكن لا يجب أن تغفل أيضا أن فريقا مثل ريال مدريد كان يسعى قديما لضم نجوم الكرة، حاليا يمتلك جيلا شابا من الناشئين قادوا منتخب إسبانيا لنهائي بطولة يورو 2017 للشباب وقد يصبحوا نجوم الفريق الجدد، هي معادلة صعبة، لكنه ستربح لك الكثير في النهاية، سواء استثماريا أو فنيا، لكن لا تترك مواهبك بعيدة عن الملعب ثم يرحلون مجانا وتعود لتسأل، لماذا رحلوا؟

بجانب كل ما سبق نحن نعاني حاليا من قلة المواهب، مثلا منتخب مصر يعاني في مركز المهاجم، الدوري عموما بحاجة لمواهب جديدة وكثيرة خاصة وأننا نعاني فعليا من ندرة فيها.

كما أن نجوم الأندية أصبحوا يبحثون حاليا عن الاحتراف والعروض الأكبر خاصة مع الأزمات المالية المتتالية وارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه، وبالتالي حتى الأهلي والزمالك بحاجة لأن يكون لديهم مواهب جاهزة طيلة الوقت وهو أمر غير متاح حاليا.

ناقشني

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات
مقالات حرة
مقالات حرة
مقالات حرة