من أوراق الجوهري - عبور الجزائر يتطلب إرضاء الغرور في تونس

الأحد، 16 أبريل 2017 - 16:00

كتب : مصطفى عصام

الجوهري

ترسخت في وعي جماهير الكرة المصرية عقدة الخسارة من تونس و الخروج من المباريات المصيرية صفر اليدين.

الجميع يتذكر رباعية استاد المنزه وكوارث خط الدفاع بقيادة مصطفى يونس و أحمد عبد الباقي، أو الهدف القاتل لجمال الإمام في الشوط الإضافي في تصفيات أولمبياد سيول في قلب القاهرة.

منتخب تونس كلف الفراعنة الخروج من تصفيات أولمبياد ميونيخ 1972 وتصفيات كأس العالم 1974 بألمانيا والنكبة الأكبر في تصفيات مونديال 1978 وكأس الأمم الإفريقية بغانا 1978 بالإضافة لتصفيات أولمبياد سول 1988.

بالمقابل تخللت المواجهات التونسية المصرية طيلة فترة السبعينات و الثمانينات نتائج متواضعة في الانتصار المصري، إقصاء لنسور قرطاج من أمم إفريقيا 1984 بهدف علاء نبيل ذهابا و التعادل إيابا في المنزه، وفوز بهدف طارق سليمان في كأس العرب 1988.

لنضع في أذهاننا هذا السياق ونحن نستعرض لكم القصة التالية.

في عام 1991 تحدث المدرب التاريخي لمنتخب مصر محمود الجوهري في مذكرات جمعها ملحق آخر ساعة الرياضي الشهري.

وقتها لم يكن أحد يهتف لأي نجم في المستطيل الأخضر، الهتاف موحد "جوهاااااااري.. جوهاااااااري".

قصاصات غير قابلة للحرق

Displaying 22.png

بالسترة الكحلية، لا ينقص الجوهري سوى عوينات معدنية وعدة سنتيمترات ليكافئ كاريزما رفعت إسماعيل بطل سلسلة روايات ما وراء الطبيعة لأحمد خالد توفيق.

ملول، وعصبي.. حاد الذكاء، ويدخن بشراهة.

يتحدث الجوهري قائلا: "انطلاقتي الحقيقية بدأت مع الخبير الألماني ديتمار كرامر أحد صناع نهضة بايرن ميونيخ وألمانيا الغربية عموما في كرة القدم".

"كرامر أشرف على الكرة المصرية في منتصف السبعينات. كنا نواجه مشاكل جمة ضد فرق شمال إفريقيا بسبب لاعب الارتكاز، مركز عانينا من ندرته في مصر وطرق اللعب وقتها لم تساعد على وجوده في الملعب. تعلمت من كرامر الكثير والكثير ودونت كُراسا كاملا أثناء مساعدته في تدريب اتحاد جدة".

Displaying 33.png

"كنا لا نزال نتبع النظرية الإنجليزية القديمة kick and run، أكبر كم من المدافعين والمهاجمين مع تهميش وسط الملعب، الخبراء الفرنسيين و الإيطاليين غزوا شمال القارة، أنتجوا وحوشا يلعبون في منتصف الملعب ليس لهم أهمية سوى قطع الكرات ومراقبة صناع اللعب و المهاجمين والتدخل أحيانا بقسوة على القدمين، قبل أن نكتسح القارة في الثمانينات مؤخرا باختراع (ناندور كالوتشاي/ مجدي عبد الغني) أو (مايكل ايفرت/ إسماعيل يوسف) في مواجهة وحوش مثل ماكانكي في الكاميرون".

"كانت تلك تحديدا نقطة قوةا التوانسة، لاعبان في منتصف الملعب قادران على شل حركة (الخطيب/ حسن شحاتة) و(فاروق جعفر/ مختار مختار). توالت الهزائم التونسية حتى ترسخت عقدة، لم أنس هذه النظرية مع تولي مهمة تدريب منتخب مصر ووقوعي في طريق انتهى بمواجهة الجزائر بعيدا عن نسور قرطاج".

"ينقصنا في مصر فقط الدراسة و المذاكرة، الأمور كانت تجرى بصورة فهلوية، كادت الكرة المصرية تأخذ مسارا نحو الانحطاط لولا تدخل عبده صالح الوحش ومايكل سميث خلفه، هنا بدأت خطة الأعداد لفريق قومي سليم يمكنه التأهل لكأس العالم".

اعتزال الخطيب أفضل لاعب في مصر.. المجري يعلق حذاءه.. مشاكل مع طاهر أبو زيد

"كل هذا مثل ضغطا فوق الضغوط الملقاة على كاهلي، لم أعد أملك الخطيب وعماد سليمان، مطالبات عدة لعودتهما من الاعتزال الدولي ومعهما مصطفى عبده. طاهر أبو زيد أثرت إصابته في الركبة على مستواه بالإضافة لمشاكله. بدأت في الاعتماد على عناصر خارج الأهلي والزمالك. واجهت العديد من الانتقادات وطلب الرحيل حتى بعد أن وصلت للمرحلة النهائية ولم يتبق سوى عبور محاربي الصحراء".

وهنا نقطع حديث الجنرال ونتذكر مقولة أحمد خالد توفيق على لسان الطبيب العجوز رفعت إسماعيل: "أنا الشيخ الفاني الذي تشبه حياته ورقة في شجرة صفصاف إبان الخريف. الكل ينتظرها كي تسقط، الكل يعرف يقينا أنها ستسقط، ناموس الحياة يقول إنها ستسقط، لكنها لم تسقط بعد! والتفسير الوحيد عندي هو أن أجلي لم يحن بعد".

مباراة الذهاب أمام الجزائر في قسنطينة انتهت بالتعادل سلبا، ولم يتبق على إتمام مهمة العبور، يوم 17 نوفمبر عام 1989، سوى خطوات قليلة، تتطلب قبلها شحن المعنويات وإلقاء أحدهم درسا لا ينساه، وكذلك استعداد ودي في تونس.

يكمل الجوهري حديثه "خروجنا من تصفيات سيول 1988 في قلب القاهرة بهدف جمال الإمام لن ينسى، قررت أن أقيم معسكرا في تونس لمدة خمسة أيام، خبرتي عسكريا كضابط سابق بالقوات المسلحة فرضت علي السرية التامة حول مهمتنا خوفا من جواسيس المنتخب الجزائري، و في المقابل نجح حمادة إمام وحازم كرم في مهمتهم السرية بمراقبة كل تفصيلة لخطط كرمالي الشرسة في معسكر الجزائر بإيطاليا و نقلا لي تفاصيل اللقاء الودي كاملا مع إيطاليا و الذي انتهى بفوز المنتخب المضيف بهدف".

"كل غريب في الفندق مشتبه به و ينبغي طرده مباشرة دون الاستماع لأعذاره. كنت أعلم قبل المباراة أن تونس ستواجهني بخطة هجومية لتجربتها من أجل تعويض هزيمتها أمام الكاميرون في التصفيات النهائية بهدفين دون رد، أما أنا فخطتي تقتضي الهجوم أيضا للفوز على الجزائر بهدفين على الأقل دون رد. وسط هذا التضارب الخططي أقيمت المباراة، كنت أعلم أنها ستنتهي بهزيمة قاسية لأحد الفريقين، فعمدت أن أوازن الدفاع بالهجوم، بالإضافة لعدم إذاعة المباراة خوفا من ردود الأفعال".

"واجهت الهجمات التونسية المكثفة في بداية الشوط الأول بالدفاع المحكم، سيناريو مضاد لفكري ولكنه قد يكون مفيدا من أجل تضليل عيون جواسيس الجزائر. لعبت على المرتدات، أنهيت الشوط الأول بهدف لأحمد الكاس".

"فاجأت كل من في الملعب بالهجوم في الشوط الثاني، في علم كرة القدم لكي تفاجئ خصما ارتدي قمصانه (بمعنى أوضح العب بنفس خطة لعبه)، سجلنا ثلاثة أهداف أخرى لجمال عبد الحميد وأحمد رمزي وطاهر أبو زيد".

"وقفت على خط الملعب مرعوبا، أدخن السجائر بشراهة. اللاعبون غمرهم الفرح وكذلك مقاعد الاحتياط، لم يفهمني سوى سمير عدلي، فنقلت إليه إحساس المسؤولية، لم ننتصر على تونس من قبل برباعية، فما بالك على أرضها التي أذلتنا عليها من قبل و حرمتنا من وصول كأس العالم، وأنا على مشارف كأس العالم أيضا".

"الخبر انتقل للإذاعة والشارع المصري فاستقبلوه بفرحة ولكن مشوبة بالحذر!".

"حاصرت اللاعبين، اجتمعت بهم في أحد الغرف وكلي غضب وصياح، لا شيء سوى الصلاة والدعاء لله أن يحمينا ويصرف عنا شر الغرور. اللاعبون رأوا قائدهم جمال عبد الحميد يبكي و يتضرع، فانساق الكل خلفه، اطمأننت بأن خطتي على الطريق الصحيح، الشحن مثالي، وبعض الأغاني الوطنية بالأوتوبيس والطيارة ستفي بالغرض، الطريق لإيطاليا ممهد بعون الله".

على غرار رفعت إسماعيل، يتبقى للجوهري بعض من غرور أراد أن يشبعه، يكمل حديثه مدخنا السيجار بشراهة كالعادة "بالمناسبة، المسؤولون عن الكرة بتونس جمعوا كل المدربين بالدوري والمنتخبات الوطنية لديهم، لألقي لهم محاضرة عن أحدث خططي الكروية، أشبع ذلك غروري وأحسست بردي لنكساتنا أمامهم، أخفيت هذا اللقاء عن اللاعبين كي لا يتسرب لنفوسهم غروري".

Displaying 1.png

التعليقات