أجواء فبراير 98، المنتخب قبلها لم يفق من أزمات الخروج من تصفيات كأس العالم بعد الوقوع في فخ الثنائية الشهيرة (محمود الخطيب - فاروق جعفر)، و الإستعانة بخدمات الجنرال محمود الجوهري متأخرا، قبل أن نفوق على نكسة جورج وايا في عصام الحضري.
الجوهري يقولها صراحة قبل السفر: "مصر في المركز الـ 13 من أصل 16 فريق متأهل لكأس الأمم الإفريقية".
سبق ذلك قبل السفر، تجارب ودية سيئة أمام الجزائر بملعب أسوان، وخسرنا المواجهتين أمام محاربي الصحراء المتأهلين للمجموعة الأولى مع صاحب الأرض بوركينا فاسو بهدفين لهدف، جعل الأمور أشد رمادية لمصير المنتخب المتجه من إخفاق نحو إخفاق جديد مجهول التوابع.
حسام حسن.. رجل يرتجف بالثقة
قبل السفر لبوركينا تعرض حسام حسن لإنخفاض حاد في مستواه وصل إلى حد صيام كبير عن الأهداف، و في المقابل على الجانب الآخر تألق كبير من زميله علي ماهر المنضم حديثا للنادي الأهلي قادما من الأنصار السعودي وقبله الترسانة المصري.
في صيف 1997 وشتاء 1998 في بداياته، كل النقاد الرياضيين والجماهير تطالب حسام حسن وربما طال المطالبة بأخيه إبراهيم أيضا بالإعتزال، إلا أن هذا لم يفت في عزم الشقيقين، أحدهما إبراهيم طاله استبعاد الجوهري من البطولة وضم بدلا منه ياسر رضوان المحترف بصفوف هانزا روستوك الألماني "بسبب الإيقاف الدولي لعام كامل نتيجة أحداث مباراة المغرب"، والآخر دائما يحظى بثقة الجنرال محمود الجوهري، وزادت تلك الثقة بعد إصابة علي ماهر قبل السفر، ليتم التدعيم بالناشئ وليد صلاح عبد اللطيف وقتها (نجم المنصورة) والآخر هو أسامة نبيه لاعب نادي الزمالك وثاني هدافي الدوري وقتها "المدرب العام للمنتخب حاليا".
النجم المصري القريب بشدة من نادي المائة بهدافي الدوري، كان ولا زال فتى أحلام الكثير من الجماهير المصرية طيلة فترة التسعينيات بعد إعتزال الخطيب، رصيده صفر من الأهداف بالأمم من مشاركتي 1986 مع الويلزي سميث و1992 مع المدرب الوطني محمود الجوهري، و التخلف عن مشاركة 1990 لظروف مشاركة الفريق الرديف في البطولة بديلا للمنتخب الأول، و1994 بتونس بسبب إيقافه إثر المشكلة الشهيرة بإلقاء قميص الأهلي عام 1994، ومشاركة جنوب إفريقيا 1996 للإصابة وقتها.
كان ذلك يمكن إدراكه على ملامح طفل صغير، لا يعرف عن الكرة سوى حسام حسن، يمسك بيمينه أعداد روايات فلاش للجيب لبطلها الخيالي "ميدو" من إنتاج الكاتب خالد الصفتي، و بيساره ممسكا بأحد "أعداد رجل المستحيل" للضابط أدهم صبري، للكاتب نبيل فاروق.
روايات فلاش منذ إصدارها ولم تعرف بطلا قرينا لها في الكورة سوى حسام حسن، تماما مثله الشخصية الخيالية "ميدو" بطل الرواية و لكنه نموذج في الشغب، و تعاريج رأسه توحي بلمعان الذكاء والدهاء منها عند لعب كرة القدم، ولا يقارعه في المهارة سوى "خالانتينو" بطل عدد سر مباراة القمة العدد 24 لروايات فلاش.
أما أدهم صبري رجل مخابرات وطني جدا يعتمد كثيرا على مهاراته التي اكتسبها من العمل في المخابرات ومهاراته الرياضية المدهشة واستغلاله لسرعة استجابته الخارقة التي تمكنه من مقاتلة أعدائه بمنتهى المهارة. يلقب أدهم صبرى رجل المستحيل داخل أروقة المخابرات بـ (ن-1) ن تعنى نادر و1 تعنى الأول من نوعه، فقد مر عليه العديد من القرناء باللعبة منذ تاريخ إصداره عام 1984 بدءا بالخطيب و مرورا بطاهر أبو زيد و جمال عبد الحميد، إستقرارا ببطلنا حسام حسن.
حسام تقمص الشخصيتين في آن واحد، بطل منقذ خارق مثل "أدهم صبري" ولكنه مشاغب مثل "ميدو"، دخل بطولة الأمم ببوركينا كقائد لأول مرة للمنتخب، معه لاعبون ذوي خبرات ضئيلة نوعا ما من إنتاج جيل كرول و ذهبية زيمبابوي 1995، الجميع منهم يرتجف خوفا من النقاد والجماهير، إلا هو، رجل يرتجف بالثقة.
بوركينا.. بطولة الأحلام و الإنطلاق
وصل المنتخب المصري إلي العاصمة الرسمية لبوركينا فاسو "واجادوجو"، للمنافسة ضمن المجموعة الرابعة (مدعاة للتفاؤل إننا تأهلنا من المجموعة الرابعة أيضا بالجابون)، وسط بلاد فقيرة أقام شعبها العديد من التظاهرات إعتراضا على تنظيم البطولة بها، كانت إقامة المنتخب المصري في شاليهات تفتقر لمستوى الخدمة الآدمي، لدرجة أن بعض اللاعبين قرروا تحزيم الأمتعة و العودة لمصر ثانية، تمرد سريع أخمده سمير عدلي المدير الإداري للمنتخب.
تخطى المنتخب المصري بسهولة موزمبيق بثنائية العميد حسام حسن، و أخذ بثأره من زامبيا برباعية نظيفة منها هاتريك لحسام حسن و هدف لياسر رضوان، قبل أن تستقر المواجهة الثالثة أمام المغرب على من يتصدر المجموعة الثالثة، التعادل يكفي مصر للصعود للمركز الأول منفردا إستعدادا للمواجهة المحتملة أمام كوت ديفوار (لطبيعة خسارتها أمام جنوب إفريقيا القوية في ذلك الوقت)، و المغرب تسعى للفوز لتلافي الصدام المبكر مع البافانا بافانا.
سارت المباراة بالسيناريو المخطط له من قبل الجوهري من أجل التعادل، حتى جاء الطرد المفاجئ لمدحت عبد الهادي من الحكم كيم ميلتون من الدنمارك بعد تدخله من الخلف على قدم حجي، و لم يكن تعليمات الاتحاد الدولي بأن العرقلة من الخلف بكارت أحمر مباشر قد وصلت لمسامع مصر بعد، و في الدقائق الأخيرة انقلبت المباراة لصالح المغرب وانتهت بركلة ركنية قابلتها مقصية حجي (قبل معادلتها بعد تسعة عشر عاما بركنية السعيد وحائط كوكا ومقصية كهربا ، وتصدرت المغرب المجموعة، إلا أن كوت ديفوار قدمت المفاجأة و تصدرت المجموعة بعد تعادلها مع جنوب إفريقيا، لنتواجه مع كوت ديفوار.
الأيام الأربع السابقة لمباراة كوت ديفوار، العمل على قدم وساق فقط من أجل تجهيز سامي الشيشيني المصاب للعب بجوار عبد الظاهر السقا وأمامهم هاني رمزي الإرتكاز، مواجهة مع كوت ديفوار صعبة ومريرة انتهت بالتعادل السلبي أمام لوران بوكو وإبراهيما باكايوكو، قبل التوجه لركلات الترجيح والمعاناة التي ابتسمت لصالحنا بعد تألق نادر السيد وفشل المخضرم آلان جواميني في التصدي لركلة حازم محمد يحيي الحرية إمام التي صعدت بمصر لأول مرة إلى نصف النهائي منذ بطولة 1986 بالقاهرة، كما اختتم أحمد شوبير المعلق على المباراة و المعتزل حديثا وقتها.
صاحب الأرض بعد اجتيازه ثانيا مجموعة متوازنة رفقة الكاميرون أمام غينيا والجزائر، وقع في مواجهة صعبة بقيادة فيليب تروسيه أمام تونس بقيادة هنري كاسبرزاك بدور ربع النهائي، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع التوانسة بتذوق طعم الإقصاء أمام الخيول بقيادة كاسبرزاك، مواجهة تقدمت فيها بوركينا بهدف سيدو تراوري من ركلة جزاء، قبل أن تتعادل تونس في الأنفاس الأخيرة من اللقاء بهدف حسان القابسي من تسديدة رائعة من داخل منطقة الجزاء.
ليحتكم الفريقين بعد الوقت الإضافي إلى ركلات الترجيح التي إبتسمت لأصحاب الأرض بنتيجة 8-7، فبعد أن أضاعت بوركينا الركلة الرابعة ضاعت ركلة يوسف الشيهي وأرتدت من العارضة، لتضيع بوركينا أيضا ركلتها الأخيرة ويفتح الطريق أمام تونس للتأهل إلا أن نجم الفريق زبير بايا أبى وأضاع الركلة الأخيرة، ليسير الفريقين ركلة بركلة تنتهي بإضاعة تونس ركلتها الأخيرة لتخرج من ربع النهائي وتلعب مصر مع بوركينا فاسو.
المباراة قبل النهائية كانت أمام صاحب الأرض والجمهور بوركينا فاسو على ملعب 11 نوفمبر الوطني بالعاصمة واجادوجو، الشوط الأول سيطرة كاملة من أصحاب الأرض وسط تألق كبير من نادر السيد، قبل أن تأتي الدقيقة 41 من الشوط الأول بهدف مباغت من حسام حسن عم بسببه الصمت على 40 ألف متفرج طيلة أحداث المباراة و طيلة الشوط الثاني، لتقدم مصر عزفا منفردا خلال الشوط الثاني، وتسجل أجمل أهداف البطولة بلعبة ولا أروع بين حازم إمام وعبد الستار صبري، تنتهي بكعب جميل للخلف ليأتي حسام حسن ويضعها مباشرة بيسراه في المرمى ليتمتم وقتها أحمد شوبير تعليق البطولة و الذي ظل خالدا لثنائية من أجمل ثنائيات الكرة المصرية ( يا سلام يا حازم .. يا سلام يا حسام ) وسط تصفيق من المعلق شيخ المدربين التوانسة عبد المجيد شتالي.
في تلك البطولة، كانت بوركينا فاسو بوابة مصر للوصول بالنهائي أمام جنوب إفريقيا، وهذا ما نأمل تكراره بملاعب العاصمة ليبرفيل عند تكرار المواجهة بالجابون أمام الخيول البوركانبية، وكذلك أيضا على الجانب الآخر تأمل الكاميرون في سرقة بطاقة النهائي من غانا كما فعلت على أرضها عام 2008.
مواجهة بوركينا فاسو بالتأكيد تفتقد حسام حسن بنسخة المشاغب "ميدو" وأهدافه التاريخية بها، وتحتاج للبطل المصري الحالي رجل المستحيل العميل ن-1 (محمد صلاح) و مساعده قدري (عبد الله السعيد)، ننتظر ماذا ستسفر مبارايات نص النهائي، ونأمل أن تستكمل باقي المغامرة المصرية الممتعة مثل مغامرات سماش ورجل المستحيل على أراضي الجابون.