--
هناك حالة صمت استمرت خمس ثوانٍ قبل أن يحاول الإجابة. حسام حسن كان شارداً محاولاً إنهاء هذا النزال مع صحفي بأقل قدر من الأضرار، عالماً بقواعد اللعبة بين الطرفين..
هناك طرف يعرف حسام عنه أنه يعيش وهما ما يسمى بـ"الصحافة الرياضة" في حالة اصطياد دائم لأي كلمة أو هفوة يصنع منها بضعة الآلاف من مرات القراءة. وهناك الجانب الأخر، حسام الذي لا يخفي عدم اكتراثه وربما كراهيته لهذا "الوهم".
تلك المقابلة القصيرة من مراسل قناة النيل للرياضة هي أقرب وصف لمشاعر حسام تجاه مسيرته الرياضية خلال ثلاثة عقود.
حينما سأله المراسل عن قرارات تتعلق بتغييرات أجراها حسام بين الشوطين كمدرب، فكان رد الأخير قصيراً عدوانياً بشكل ظاهري مع جملة: "أنا حر!!".. كلمتان تخفيان فقرات كاملة عن ما لم يقله حسام حسن (اللاعب والمدرب).
كان حسام في هذا الحوار راغبا في انتهاء هذا النزال بعد ربع ساعة، لهذا كان محدقاً في الأرض، أو يرد على كل سؤال عن رحلته الكروية وذكرياته بتوصية بمشاهدة حلقته برفقة توأمه إبراهيم مع إسعاد يونس في "صاحبة السعادة" بدلاً من إضاعة المزيد من الوقت.
حلقات إسعاد يونس أو "عصير النوستالجيا التلفزيونية" جاء مع التوأم في النسخة الأكثر تسطيحاً، وحولت حسام وإبراهيم لكروت بوستال مجانية لتعليب "زمن آخر جميل" زائف في قدر كبير منه.
ذلك الزمن الجميل الذي مر على إحدى فقراته 25 عاماً في أكتوبر الماضي والخسارة ودياً من اليونان 6 – 1 في أثينا، وهي الهزيمة التي أنهت ولاية محمود الجوهري الأولى بتوصية من مجلس الشعب المصري باتهامات صريحة أهمها "الإساءة لسمعة مصر وشعبها"، أو "إهدار مال عام يقدر ب40 مليون جنيه".
قطعة من الليمون اللاذع
حسام يبدو وكأنه ابتلع قطعة من الليمون اللاذع بمجرد تذكره لهذا التاريخ، وكأنه أدرك فجأة أنه يعيش عامه الخمسين أو أن هناك جيلا كاملا من مشجعي الكرة المصرية الجدد لم يشاهده قط بقميص الأهلي من قبل.
حسام لم يتأخر كثيراً للتعبير عن انزعاجه من تذكر ذلك التاريخ، وقال لـFilGoal.com:"أنا لم ألعب هذه المباراة للإصابة هذه مباراة ودية، مجرد مباراة عادية، لماذا التذكير بها؟!".
وتابع "قرار إقالة الجوهري كان قراراً خاطئاً بكل تأكيد خاصة مع مدرب مثل الجوهري ، والذي كان ينوي بالفعل دخول مرحلة جديدة من المنتخب بإشراك تدريجي للعديد من الوجوه الشابة".
مباراة اليونان هي مثال للسخف الذي تتمتع به كرة القدم في أحيان كثيرة.
مجموعة الجوهري متأخرة 2 – 1 فقط حتى الدقيقة 68 التي طرد فيها إبراهيم حسن. بعدها استقبل الفريق حتى نهاية المباراة أربعة أهداف من ركلات جزاء متتالية وسط أجواء مطيرة عاصفة جعلت من محاولة تجديد الدماء التي حاول الجوهري أن يبدأها في المنتخب بدأت بإشراك مدافع الإسماعيلي أيمن رجب ومهاجم السكة الحديد وقتها أيمن منصور مجهضة بالكامل.
الجوهري كان مجرد كباش فداء.
حسام يكمل بنفسه الفراغات التي تركها في تعليقه الأول مسارعاً بالقول "هل تعرف ما هو الفشل الحقيقي؟ هو ما نعيشه حالياً وليس الخسارة في مباراة ودية قبل 25 عاماً".
"ما نعيشه الآن يمكن تسميته بالفترة السوداء عن حق. ما نعيشه حالياً هو أننا أخفقنا في الوصول لكأس الأمم الإفريقية ثلاث مرات متتالية على الرغم من هذا لم يتم التنكيل بأحد مثلما حدث مع الجوهري. لقد عطلوه عاماً كاملاً حين أقالوه وعطلوا مشروعه ودفعنا ثمناً باهظاً بسبب ذلك لاحقاً".
قوس من المشاعر
الحنق عند حسام يظهر بعد دقائق فقط من محاولة الظهور بهدوء مكتوم متذكراً أحد الحوارات العديدة مع الجوهري و المستقرة في عقله الباطن: "لقد قال لي في أكثر من مناسبة أن من يعمل بجدية في مصر تتم محاربته حتى يفشل ، ليس أمامنا سوى التكيف مع هذا الوضع".
حسام قد يكون صاحب أكبر قوس للمشاعر يحمله له أي مهووس بالكرة في مصر.
بالنسبة لطفل أهلاوي منذ سن الرابعة حسام يمثل له لاعبه المفضل منذ هدفه في الإسماعيلي في نصف نهائي كأس أبطال الكئوس الإفريقية 1986 (إحراز هدف في الإسماعيلية خلال الثمانينات كان أمراً يتوجب الاحتفال).
حسام يصبح المنقذ أمام الزمالك في قمة سبتمبر 1988 قبل النهاية بدقيقتين ليتحول الرمز في كل مرة يسجل في الإسماعيلية متوجهاً إلى مدرج الأهلي محتفلاً معه..
إنه نفسه حسام الذي لا يمكنك كتم شعورك بالشماتة فيه مع كل مرة يتعادل فريقه الجديد الزمالك مع سكة حديد سوهاج أو سداسية مايو أمام الأهلي، القوس يسير بشكل عكسي بالنسبة لكل مهووس بالزمالك خلال العقود الثلاثة الماضية.
حسام نفسه هو قوس من المشاعر..
وكأنه في رحلة أبدية لإثبات أحقيته، يمتلك فكرته الخاصة عن العدل حتى تجاه الآخرين.
يبدو أنه لا ينسى عدد المرات التي تعرض فيها للتشكيك في قدراته، سيذكرك بأنه كان هداف المنتخب والأهلي في المرة التي استبعده فيها محسن صالح منتصف التسعينات، وهو ما استدعي ذهابه برفقة إبراهيم إلى منزل المدرب ، لتتحول الزيارة إلى صفحات النميمة دون معرفة تفاصيل المواجهة بين الطرفين.
"لقد استدعاني محسن صالح وأنا مصاب للانضمام إلى المنتخب، وقام باستبعادي بعد أن تعافيت استعداداً للمباراة المقبلة!".
"كل ما كنت أريده من زيارتي له أن أتعرف على سبب هذا الاستبعاد، كل هذه الضجة هو الذي صنعها ولنفسه، أعتقد أنه عاد إلى رشده الآن ويمكن العودة إليه للتأكد من حقيقة الواقعة تفصيلاً، لقد أخذت الأمور حجماً أكبر بسببه".
حسام سيذكرك بأنه تم استدعاؤه للانضمام إلى منتخب 2006 دون أن يعرف فعلياً السبب من جانب حسن شحاتة او الاتحاد المصري للعبه. لكنه يشير إلى أنه أحرز "15 هدفاً ذلك الموسم برفقة نادي غير الناديين الكبيرين وهو في سن الأربعين، " أعتقد أنهم كانوا بحاجة إلى شخص له ثقل معنوي داخل المنتخب الذي خاض أمم أفريقيا 2006".
"لقد تعرضت لنفس حملة التشكيك قبل أي مناسبة كبرى. قبل الذهاب إلى بوركينا فاسو 1998 قالوا لي إني لا أصلح وأن عمري الافتراضي قد انتهى. نسيوا تماماً أني خرجت هدافاً للأهلي والدوري بأكمله مع نهاية ذلك الموسم وكنت هداف دورة كوريا الودية قبل الذهاب إلى أمم أفريقيا 1998".
"لقد حصل الجوهري على لقب هذه البطولة بأقل الإمكانات، بلاعبين لا يمتلكون الخبرة الكافية بدون معدات تدريب وفي بعض الأحيان بدون قمصان لعب متوفرة". (هذا التصريح جاء قبل مشكلة كوبر الأخيرة مع قمصان منتخب 2015)
حسام تذكر للتو النصيحة التي قدمها له الجوهري طوال مشوارهما معاً، الإفصاح عنها بالعامية يلخص عشرات المحطات التي مر بها الاثنان "الجوهري كان يقول لي دوماً إرمي ورا ضهرك يا حسام ، إرمي ورا ضهرك".
حسام يبدو أكثر دبلوماسية في التعامل مع رفاق المهنة الجدد مثل أحمد حسن وأحمد حسام "ميدو" ممزوجة بنبرة ترقب لملاقاتهما كمدربين.
بل إنه يضفي نظرة أشمل في التعامل مع المشهد الحالي للكرة المصرية "نحن بحاجة إلى دماء جديدة في التدريب والخروج عن دائرة الأسماء المكررة ، نحن نريد هذا أكثر من أي وقت مضى".
على الرغم من هذا دوماً كان صاحب الرقم 9 يذكرنا أنه يتوجب إكمال الفراغات التي يتركها من كل جملة له :"كان المنتخب وقتها بحاجة إلى كبير" ، "الأهلي استغني عنا وهو كان بحاجة إلى قيادة وخبرة مثل التي كنا نمتلكها"..
"معسكر منتخب 2006 كان مفتوحا دون ضبط وربط" ، "لم يكن هناك غيري أنا وهاني رمزي من الكبار في بوركينا فاسو" ، " هذه المجموعة بحاجة إلى كبير".
تكرار تلك النبرة يفسر استمرار حسام إلى سن الأربعين.. عدم القدرة على البعد عن مجال التدريب. هناك روح تأديبية تسود أحكامه تجاه أوضاع الكرة المصرية الحالية، اللاعبين، مدرسة قديمة تضع جمهور الفرق في المعادلة ، دائم التحدث عن علاقته الوطيدة مع جمهوري الزمالك والمصري على مدار السنوات الـ15 الماضية، حتى لو كان أهلاوياً في عقله الباطن.
اللواء
تفرد تجربة حسام تتمثل في أنه ينتمي فعلياً لفترة كان الجميع يحتشد داخل مترو (مدينة نصر – روكسي) للذهاب إلى استاد القاهرة في خريف 1987قبل مباراة الذهاب لربع نهائي دوري أبطال أفريقيا أمام أفريكا سبور في مباراة حملت ألفاظ "حياة أو موت" على المستوى الصحفي.
فترة عرفت قراراً لإدارة الأهلي بمنع التلفزيون ببث مباريات الفريق بسبب مستحقات متأخرة ، لتكون النتيجة وجود 100 ألف متفرج في مباريات اتحاد السويس أو جمهورية شبين أو المريخ البورسعيدي.
حسام أصبح عليه التعامل مع مرحلة الوهم الحالية، اللعب مع الأهلي في مدرجات خاوية، خمس شخصيات كروية تقوم بالثرثرة في ما يسمى بالاستديو التحليلي الكبير، وإعلانات عملاقة يبدو فيها مدحت شلبي وهو يشدو بالسلام الوطني على طريقة لاعبي المنتخبات.
شاشات عملاقة في كافيهات خاوية، وطابور يتيم من المارة يتابع مباراة الأهلي الأخيرة أمام بتروجيت من خلف زجاج محلات العربي للأدوات الإلكترونية بوسط البلد..
حسام ينتمي لفترة كانت الكرة هي النموذج الوحيد للفعل الجماعي في ثمانينات مبارك، الآن عليه المشاركة في عرض خيال ظل تبدو فيه الأشياء وكأنها تتحرك من خلف ستار للإيهام بوجود حركة.
طابع "الرحلة" هو الذي يسيطر في أغلبيته على حديث حسام، فهو لم يحصل على هدايا أو عطايا، استمراراً للعبة إكمال الفراغات فهو يتحدث فعلياً عن الحاضر: "أنا لعبت في فترة كانت كل طرق اللعب مغلقة ليس كما هو حادث الآن".
تلمع عيناه بمجرد تذكره لمباراة أفريكا سبور عام 1987، والتي كان يتوجب على الأهلي فيها تعويض الخسارة ذهاباً بهدفين نظيفين ، حتى الدقيقة 85 كان الأهلي عاجزاً عن تسجيل الأهداف، في الوقت الذي كان فيه حسام يأكل أمتار الملعب من أجل اقتناص نصف فرصة ، أو نصف أمل.
"إنه رد فعل طبيعي، أنا لم أخسر سوى عدد بسيط من المباريات منذ أن كنت في الـ13 من عمري، الهزيمة احتمال يجب تجنبه دوماً. الخسارة بهدفين في أبيدجان كان كارثياً آنذاك وفي مثل ظروفي فأنا حصلت على مركزي الأساسي في سن الـ21 عاماً في وقت كان مازال به الخطيب وطاهر وعلاء ميهوب وربيع ياسين، كان مجرد التدرب مع هذه المجموعة حلماً كبيراً ، حتى اللعب معهم وتقديم مباراة جيدة ليس كافياً لضمان وجودك في الفريق".
حسام أحرز هدفاً أكروباتياً في أفريكا سبور في الدقيقة 85، ممهداً المجال لهدف تعادل من قدم ميهوب، ثم الحسم بركلات الترجيح في واحدة من أكثر عروض الأهلي جدية في تاريخ مشاركاته الإفريقية ، الحصاد النهائي في ديسمبر ذلك العام كان اللقب الثاني للأهلي على مستوى دوري الأبطال.
يقول حسام حسن: "منذ بدأت مشواري في الأهلي والكل يعلم أن جيل الخطيب قد سلم الراية لنا بالفعل".
الرحلة هي الكلمة مفتاح حسام لتحوله من مجرد رأس حربة، إلى مهاجم متكامل خطورته من داخل المنطقة مماثلة لخطورته خارجها.
أشياء جديدة
فكرة التأقلم على أدوار معينة تسمح له بأن يصبح هدافاً أوحد للمنتخب في سن الـ33 خلال عامي 1998 و1999، ضربة الرأس التي سجل منها أمام المصري في نهائي كأس مصر 1989 ليست كضربة الرأس التي ضمن بها الفوز على السنغال في أمم 2000 ، الخلفية المزدوجة التي سجل منها في أفريكا سبور ليست كمثل التي سجل منها مع باوك في الدوري اليوناني 1990..
ليست كهدف السعودية في نهائي كأس العرب 1992، وليست كهدفه في جنوب إفريقيا ودياً عام 1998 (والذي يعتبره ربما هدفه الأجمل والمنسي تماماً)، التسديد من خارج المنطقة أمام الزمالك 1998، التحرك من غير كرة أمام زيمبابوي في 1993، إتقان الركلة الحرة أمام زامبيا 1998، دور صانع الألعاب برفقة الزمالك في أحيان كثيرة.
"لقد كنت أقضي ساعة او ساعتين بعد كل تمرين يومياً للتدريب على أشياء جديدة ، كل ما ينقصني كلاعب وليس كمهاجم فقط كنت أود تلافيه ، كنت أبحث عن مميزات إضافية طوال الوقت ، لقد كان اختياراً فردياً ، لم يكن بتوجيهات أو ارشادات من أحد ، وحده الجوهري كان سعيداً بهذه الخطوة".
"كانت الكرة تهبط على قدمي فأسأل نفسي لماذا حين أسددها مباشرة لا تطاوعني. اليوم سأتدرب على كيفية جعل الكرة تطاوعني من هذا الوضع في التصويب. كل يوم تدريب جديد مع إبراهيم حسن".
حسام يبدو وكأنه تذكر للتو شعوره بكون اختياره في منتخب 2006 جاء تكريمياً :"كل مرة كنت أجد نفسي خارج التشكيل في أمم أفريقيا 2006 كنت أتدرب على نحو أكثر قسوة".
"كان هذا خارج ما هو متعارف عليه، حتى جاء وقت المشاركة أمام كوت ديفوار وتحويل النتيجة على نحو درامي ، ثم التسجيل أمام الكونغو الديموقراطية في ربع النهائي ، أنا لم أكن أرغب في التكريم ، كنت أريد اللعب والفوز".
إكمال الفراغات
إكمال الفراغات مع حسام لن يتوقف، سواء عن الذراع الحديدية المفقودة في إدارة أمور المنتخب في 2006.
عدم ذكر الخطيب ضمن فريقه المفضل، الدقيقة التي ظل فيها صامتاً لاختيار لاعب ارتكازه المفضل، قبل أن يشعر بالأسف ممتزجاً بضحكة لعدم عثوره على بديل لمجدي عبد الغني.
كلمة التقدير المعنوي والأدبي التي كررها في نقاط عدة ، تلك الرغبة الدفينة في تدريب الأهلي أو المنتخب يوماً من الأيام ، عدم الحديث إطلاقاً عن بورسعيد فبراير 2012 ، التفكير جدياً في الاعتزال بعد إصابته عام 2002 برفقة الزمالك، الشعور بالأسف للفرصة الذهبية التي كان يحصل عليها الأهلي لو كان أبقى على فايتسا مديراً فنياً مطلع 1990..
"فايتسا كان سيصنع أجيالاً لعقود كاملة في الأهلي". نفس الأسى لتصور المسيرة التي كان سيتمتع بها هشام عبد الرسول حال عدم تعرضه لحادث سيارة، ذلك الحب الذي يحمله للجوهري متحدثاً عن مغامرة الذهاب بمجموعة من الشباب لكأس العرب 1992 وهي المغامرة التي وصفها حسام بأن الجوهري كان "شايل كفنه على إيده".
إنه نفسه يحاول إكمال تلك الفراغات التي تكونت في ذهنه بعد رفض الأهلي لعرض مباشر مع نادي مونشن جلادباخ لضم حسام عام 1987 ، فقدانه للوعي بعد هدفه في اسكتلندا ودياً ، واستيقاظه فجأة بعد سماعه لجملة "عليه الذهاب إلى المستشفى.
هدف في هيجيتا
ذلك الهدف الأخير هو الهدف النموذجي للحديث عن جزء كبير من مسيرة حسام، الرغبة في اقتناص نصف فرصة، إدراك أن توقعه بحدوث خطأ من المدافع، استغلال نصف المتر الذي يفصله عن حارس المرمى، الاصطدام بالحارس بشكل انتحاري دون التفكير في العواقب.
ذلك الهدف احتل الجزء الأكبر ضمن آخر دردشة لي مع الصحفي الراحل هاني درويش، في حانة متواضعة في شارع جانبي بمدريد، دردشة استمرت ل90 دقيقة، خمس منها عن السياسة، و85 أخرى عن حسام وحده.
تضمن كلها قوس المشاعر التي يحملها اثنان كان الأهلي جزء من طبقهما اليومي، حسام كان سبباً في العديد اللحظات الخاصة جداً، حتى مع أهدافه في مزارع دينا أو الكروم خلال التسعينات، مروراً بالكراهية في كل مباراة لعبها مع الزمالك، ووسط الحديث عن هذه الكراهية يقفز للذاكرة الكتالوج الكامل الذي قدمه حسام ودياً أمام كولومبيا في مايو 1990 ، فيما يمكن اعتباره بأنه أكثر مبارياته اكتمالاً، محرزاً لهدف من صناعة شقيقه ، ومهدراً لسبع أهداف إضافية أنقذها كلها الحارس الأعجوبة رينيه هيجيتا.
حسام نفسه أفرط في أن "يرمي ورا ضهره" حتى أنه تأخر نسبياً في تذكر هذه المباراة ، "هل هذه المباراة كانت أمام كولومبيا أم رومانيا؟" ، وبعد اكتمال الذاكرة اكتفى فقط بابتسامة وشرود لبضعة ثوانٍ يغلفها الصمت، ربما متأملاً لكل الاحتمالات البديلة التي كان سيعيشها كشاب لم يكمل الـ24 من عمره.
المفارقة أن بعد مباراة كولومبيا بعشر سنوات كان حسام مازال هدافاً للمنتخب، وبطلاً لأهم عملية انتقال لاعب في الكرة المصرية آنذاك، وبعدها بعشر سنوات أخرى كان يصيح لوسائل الإعلام كمدرب للفريق الأبيض بأن "الزمالك قادم" في آخر مباراة قمة قبل ثورة يناير ، مباراة قمة كان هو بطلها بسبب رغبته العلنية في قهر مجموعة مانويل جوزيه.
فصل الخريف
فصل الخريف دوماً كان شاهداً على تغييرات كبيرة في حياة حسام، رحلة الفوز بأول لقب دوري أبطال إفريقيا برفقة الأهلي في 1987، رحلة الصعود إلى مونديال 90، الرباعية في سيلتك ، التواجد على بعد 45 فقط من اقصاء ريال مدريد في الدور الثالث من كأس الاتحاد الأوروبي 1991. في خريف 2015 مازال حسام يفكر في تبعات تركه أوروبا للعودة إلى الأهلي.
"العودة إلى الأهلي كان قراراً عاطفياً بالأساس ، من الصعب رفض العودة لانتشال النادي الذي تربيت فيه من أزمته، ولكن إذا أردت الحقيقة فإن القرار السليم من جانبي كان البقاء في أوروبا وإكمال التجربة حتى نهايتها ، الأمر لم يكن ليقتصر على سويسرا فقط ، كانت لدينا فرصة واقعية للذهاب إلى سيلتك ، إلى إيطاليا أو إسبانيا ، البقاء كان القرار الأصح لو تحدثنا بعملية تامة".
يبدو وكأن حسام كان يريد الإسهاب بشكل أطول عن الاحتمالات والفراغات التي خلفها قرار العودة إلى الأهلي ، وكأنه اختار النسيان للدرجة التي اعترف فيها أنه لا يمتلك أرشيفاً حقيقياً لأهدافه أو مبارياته ، طالباً المساعدة في شريط حياة مدمج يضم "الأعمال الكاملة" في CD ببضعة جنيهات ، شريط حياة رقمي تسمح له أن "يرمي ورا ضهره" مستقبلاً دون قلق.